Hayat Şark
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Türler
يجب علينا أن ننظر إلى مستعمراتنا كأجزاء من الإمبراطورية، يسكنها رجال ينبغي أن يتمتعوا في أوطانهم بما يتمتع به كل إنجليزي في إنجلترا، وما دام هؤلاء المستعمرون لا يتدخلون في إدارة شئوننا المحلية كذلك لا يجوز لنا أن نتدخل في إدارة شئونهم المحلية. إن لنا الحق في الاحتفاظ بإدارة شئون الإمبراطورية العامة، لأن هذا الاحتفاظ ضروري لصيانة الوحدة الإمبراطورية ولأننا أغنى وأقوى جزء في الإمبراطورية.
وعلينا أن نتفق على المطالب العامة. وإن صح للبرلمان البريطاني أن يستأثر بالسلطة الإمبراطورية، فأرى من دواعي قوة الإمبراطورية أن يكون في برلماننا ممثلون للمستعمرات، فتشعر بأنها والشعب الإنجليزي كل لا يتجزأ.» ا.ه. كلام الوزير الإنجليز من خطبة في أثناء القراءة الثانية لقانون حكومة أستراليا 18 فبراير سنة 1885 ألقاها في البرلمان الإنجليزي.
هكذا كانت الفكرة الاستعمارية في منتصف القرن التاسع عشر، ولعل النبذة التي اقتبسناها من خطبة سير مولزورث أبلغ وصف للنظرية الاستعمارية الإنجليزية في عهدها، وهي طبعا فكرة متناهية في الحرية في ظاهرها ولكنها تنطوي على الخوف من انقلاب المستعمرات كما انقلبت الولايات المتحدة.
وأعجب تطبيق لنظرية مولزورث انتخاب أعضاء أيرلنديين للبرلمان الإنجليزي باعتبار أيرلندا جزءا لا يتجزأ من المملكة، مع أن الأيرلنديين الوطنيين كانوا يأبون ذلك وما زالوا يأبونه حتى صار لهم برلمان خاص بهم في عاصمة بلادهم.
وكان من رجال السياسة الإنجليز آخرون يبغضون الاستعمار ويجاهرون بذلك، ومنهم ريشارد كوبدن زعيم الفرقة الحرة في منشستر، ومن أقواله المأثورة أن أسعد يوم في تاريخ إنجلترا هو اليوم الذي لا يكون لها فيه فدان أرض في آسيا. كما كانت عظمى أمانيه أن تقطع كل علاقة سياسية بين إنجلترا وكندا في أسرع فرصة ممكنة.
وربما سارت إنجلترا في طريق وسط بين نظرية مولزورث ونظرية كوبدن، فيخف ضغطها عن خلق الله في الشرق والغرب لو لم تحدث حروب أوروبا في سنة 1870، فقد ظهرت ألمانيا بوطنيتها وحربيتها وإمبراطوريتها ورغبتها في التوسع، وظهر بيسمارك ومولتكه والحلقة الأولى من سلسلة هوهنزلرن الرهيبة. وأيقنت إنجلترا أن فرنسا لن تغتفر مذلتها ولن تنسى ثأرها، وأن الشعوب الأخرى ستستيقظ ثم تنهض، وأن صليل السيوف وصدى أصوات المدافع سوف يتجددان بعد حين في أوروبا وغيرها، ورأت تدخل بعض الممالك الأوروبية في المحيط الهادي فخشيت أستراليا ونيوزيلندا على استقلالهما فأرغمت إنجلترا من جديد على تعديل خطتها الاستعمارية بإشراك المستعمرات المستقلة في شئون سياسة الإمبراطورية، وخافت عاقبة الحروب المفاجئة فنبتت فكرة «المواصلات الإمبراطورية»، وكان البخار حديث العهد وكذلك أسلاك البرق فحسنت استعمالها وأتقنت كل اختراع من شأنه تقريب البعيد وتسهيل شقة الأسفار، ليكون ذلك لها عونا لدى نقل الجنود والذخيرة من أدنى الإمبراطورية إلى أقصاها. وقد مضى على نظرية مولزورث ثلاثون عاما، وحل محله غلادستون زعيم الأحرار في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، فتوطد حب الإمبراطورية في قلوب الإنجليز وصار مبدأ ثابتا لدى الأحرار والمحافظين على السواء، فألقى غلادستون في 17 مارس سنة 1880 خطبته الشهيرة في أدنبرج التي قال منها:
أعتقد أننا جميعا متحدون في تعلقنا بالمملكة العظيمة التي ننتمي إليها ولتلك الإمبراطورية الكبرى التي وضعت أمانة في أعناقنا، وما هي إلا أمانة وتكليف من العناية الإلهية كأعظم وأخص ما كلف به فريق من الجنس البشري. وكلما أذكر تلك الأمانة وذلك التكليف أشعر بأن الألفاظ تعوزني وأن الكلام عاجز عن التعبير عما يخالج نفسي. لا أستطيع أن أصارحكم بما أعتقده من نبل الميراث العظيم الذي كان من نصيبنا، ولا عن قداسة الواجب علينا في الاحتفاظ به.
ولن تسمح نفسي بالتنزل به إلى مستوى الجدل السياسي، لأنه جزء من كياني بل من لحمي ودمي ومن قلبي وروحي. ولأجل بلوغ هذه الغاية عملت دائبا طول شبابي ورجولتي وأكثر من ذلك إلى أن شابت كل شعرة في رأسي. وفي هذه العقيدة وهذا القيام المقدس حييت، وبهذه العقيدة وهذا القيام المقدس سوف أقضي بينكم! ا.ه. نقلا عن جريدة التيمس في 18 مارس سنة 1880.
إنك لا تسمع وزيرا يتكلم ولكنك تسمع كاهنا أو واعظا يبشر! وهو مقتنع أعظم اقتناع، بل مؤمن الإيمان كله، رجل خالط حب المستعمرات لحمه ودمه وملك قلبه وروحه. وهو يعتقد أن مأمورية الاستعمار ليست عملا سياسيا ينطوي على مصالح عادية، بل إنه أمانة وتكليف سماوي، كما كان يعتقد ملوك فرنسا وإنجلترا أنهم إنما يحكمون الشعب ب «اسم الله وإرادته»، وكما كان يعتقد إمبراطرة الصين أنهم أبناء السماء. ومن هو الذي يتكلم؟ هو غلادستون رئيس أحرار إنجلترا العظيم، الذي رسم بهذه الخطبة خطة الاستعمار لا لحزبه فقط بل لجميع الأحزاب السياسية من محافظين وأحرار وغيرهم، كما أثبتت لنا الحوادث.
انخداع الشرقيين بحزب الأحرار
Bilinmeyen sayfa