Hayat Şark
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Türler
ولكن الدور الذي مثلته المرأة المصرية في الثورة المصرية لم يغن شيئا في ميدان المعترك الاجتماعي فحياة البيت المصري لا تزال كما وصفنا، والمرأة المصرية الغنية المتعلمة المتزوجة تنهب زوجها وتبدد ثروته في تجميل نفسها وتجميل منزلها لجعله على النمط الأوروبي.
ولم تعمل واحدة منهن ما عملته أم محمد علي الهندي ولا ما عملته مدام كاما أو السيدة سارجويني نايدو ولا ما قامت به السيدة خالدة أديب في النهضة التركية الحديثة.
وكان العهد الأخير على مصر عهد إسراف وتبذير وبلاء ولا سيما منذ تهتكت المرأة في لبس الثياب ورفع الحجاب وركبت رأسها بغير رقيب ولا حسيب، وعذرهن وعذر من يدافع عنهن إنما هو وجودنا في طور الانتقال أو التحول. ودور التحول هو بحكم الضرورة دور فساد في الآداب وانحطاط في الأخلاق وعبث بالدين، مما قد يظنونه عرضا يزول أو مرضا يبرأ، ولكنه في الحقيقة داء مزمن لا يشفى إلا بكر الأعوام.
فكل من يرى المرأة المصرية ولا شغل لها إلا زينتها وحليها وتجميل شخصها الفاني وإعجابها بكواكب السينما وغشيانها أماكن الملاهي وسماع الغناء وترتيب الحفلات اليومية لشرب الشاي وتبادل الأفكار في مستحدث الأزياء؛ ليرتاب في مستقبلها من حيث قبولها الإصلاح، وقد يثبت في نفس المفكر الحزين أن أظهر نتيجة لهذا الدور أو هذا التطور، البادئ بالتواليت والمنتهي بقيادة السيارات، هي تزلزل نظامنا القديم الكريم القائمة عليه حياتنا البيتية وعاداتنا الاجتماعية وتضعضع المعتقدات الدينية وتزعزع حياتنا القومية، فإن النظم العتيقة على ما بها من عيوب كانت مشتملة على فضائل جمة. وإنني وإن ذكرت الدين فلا أقصد العبادات فحسب، لأنه من المعلوم والمسلم به أن المرأة المصرية المسلمة لا تمارس شعائرها الدينية وربما كانت الصلاة أو الصيام موضع السخرية في نفسها.
وإنني لا تهمني إقامة الشعائر على ما فيها من الفضائل وتهذيب النفس وطهارة البدن والروح والنهي عن الفحشاء والمنكر، بقدر ما يهمني أثر الدين في النفس من حيث المحافظة على الفضائل والأعراض، والتعود على الزكاة والإحسان والقيام بأعمال البر والصدقة التي تقوم بها المرأة الأوروبية التي يدعون أنها غير متدينة، والمرأة المسلمة المصرية قبل أن يكتسح أخلاقها تيار ظواهر المدنية الجارف ... إن أمهاتنا كن جاهلات ولم يكن يقرأن مؤلفات الفرنسويين والإنجليز في القصص، ولم يكن يتقن رقصة الشارلستون ، ولم يذقن طعم الشمبانيا ولا الشاي الحديث، ولم يتسامرن مع أصدقائهن أو أقاربهن على دقات الجاز بند؛ ولكنهن غرسن في نفوسنا بعض المبادئ الصالحة وحثثننا بفضائلهن الصامتة على طلب العلم والاستزادة من الأخلاق الطيبة، وقد رأينا خطبة مولانا شوكت علي وافية في هذا المعنى.
2
المرأة المصرية بين الدين والأخلاق
وربما كانت المرأة المصرية معذورة في الخطة التي تسير عليها، لأنها لا ترى أمامها قدوة حسنة لا في زوجها ولا في أبيها بعد أن انقرض جيل أمها وجدتها، وكانت الصورة التي تراها من الأخلاق صورة بشعة مؤلمة، فإن المصريين المستجدين تحت ستار النهضة الحديثة والتجدد واستقلال الفكر والشخصية البارزة وما إليها من الألفاظ والتعبيرات العقيمة؛ قد قضوا على صفات الاحترام الماضي وإكرام الكبار والشيوخ واعتبار الحكم والنصائح الصادرة عن المجربين من الأهل والأقارب. وبعد أن كان الوالد رب الأسرة وولي العترة ورئيس العشيرة وكانت كلمته فيها هي المطاعة وأمره النافذ المقضي، وكان حارس مقامها وراعي حرمتها كما هو مصدر رزقها؛ فقد أصبح مجردا من تلك الصفات وصار أصغر فرد من أفراد العيلة يبغي أن يستوي معه في كل شأن من الشئون وينازعه السيادة في كل أمر من الأمور، وقد روى لي والد أنه أصبح لا يستطيع أن يصدر لابنه الناشئ أمرا لأنه واثق من مخالفته، وإن أراد الولد طاعته لبقية احترام أو خوف تعضده الأم وتنصره على أبيه، فتفسد النظام وتحدث النفرة بين الوالد والولد التي تتلوها الهوة التي تفرق بينهما إلى الأبد. وما قضية البنت إلا كقضية الولد في هذا السبيل، وقد صارت الفتاة في الثالثة عشرة مثل أمها في الثياب والزينة، وربما كانت موضع سرها ومحل ائتمانها وكاتمة أمورها في شئون لا يطلع الوالد عليها. وقد صار الطلاب في المدارس في العقد الثاني من أعمارهم يعرفون من خفايا الحياة وأسرارها ما لم يكن ابن الأربعين يعرفه منذ خمسين عاما، فبعضهم يشرب الخمر ويلعب الميسر ويخاصر النساء وهو بعد لم يتم دراسته ولم يتخط دور العلم. وقد رأيت بعيني رأسي والدا وولده على شرفة فندق كنتننتال وكلاهما من موظفي الحكومة وأحدهما برتبة الباشوية يعاقران الخمر ويغازلان غادة واحدة، فلما ذكرت ذلك لأحد أصدقائي قال لي: ليسا وحيدين في هذا المجال وأمثالهما كثيرون! وقد صار الولد والبنت كلاهما مرهقين لوالدهما في طلب المال للإنفاق منه لا في الثياب والمأكل والنزهة البريئة بل فيما لا يستطيع القلم تدوينه وتسطيره.
ولا أنكر أن بعض الآباء قد يشجعون هذا السلوك بتغاضيهم أو رضاهم عنه رضا تاما، وقد يعرف عن بيته الانحراف عن جادة الاستقامة وهو صابر صامت إما لحاجة اقتصادية وإما لبلادة في الخلق وإما لضعف الإرادة وانطباع نفوسهم على الذل والفساد، وقد ترى رجلا عظيما مستقل الرأي يشغل منصبا كبيرا ويبدو للناس كالأسد في العرين أو كالنخلة العالية، وإذا هو في بيته كالقط أو كالكلب يبصبص ويخنع لمولاته وهي زوجة شابة تغلق عليه الباب من الخارج ولا تنبئه بموعد خروجها ولا عودتها، والأولاد بين هذا وذاك ضائعون، وقد يكون الآخر أثناء تغيب زوجته غيبة شبه منقطعة قد ألف مجالس الشراب والغزل ولا يعود إلى منزله إلا في مطلع الفجر فيلتقي هو وهي على عتبة الدار بمشهد من الجيران والأولاد والخدم.
وماذا تنتظر من أمة طلقت كل جليل جميل في ماضيها واتخذت أزياء الإفرنج وأقمشتهم وأساليبهم في معيشتهم، ولم تكتف بذلك بل جاوزته إلى عادات شرب الخمر وإدمان المخدرات والمقامرة وحفلات سباق الخيل التي يتزاحم فيها كبارنا وصغارنا كما لو كانت حفلات دينية أو وطنية، وتنشر الصحف صور بعض أعياننا وشباننا وتقول في وصفهم: هذا فلان بك وقد ربح بضع مئات من النقود وحوله ثلاث غوان أوروبيات في حفلة السباق الفلانية؟ أي تحريض على الفجور والنزق بعد هذا التمجيد والتخليد على صفحات الجرائد اليومية؟!
Bilinmeyen sayfa