Hayat Şark
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Türler
فدهش محدثي من ذكاء الشاب وفصاحته وصراحته وحريته وبعد نظره، وقربه منه وتودد إليه وانقطع إلى مسامرته، ولكنه لم ينجح طول مدة إقامته في إقناعه بأخذ حمام واحد أو تغيير قميصه القذر، وقال لي: إن أولاد رجال أوروبيين أو شرقيين في أقطار أخرى يملكون عشر ثروة والد هذا الفتى يتعلمون في باريس وأكسفورد ويعيشون عيشة الأمراء، ولكن هكذا أحوال العرب.
الدولة الإسلامية البحرية
نرجع إلى ما كنا فيه من ذكر تلك الدولة الإسلامية البحرية العظمى التي طردت البرتغال وتهددت الفرس والإنجليز في بلاد الهند إلى أن ذلت على أيدي أصحابها.
إن الخليج الفارسي هو الشق من الماء الملح الداخل من بحر عمان بين بلاد فارس وجزيرة العرب، وأوله من الجنوب مضيق رءوس الجبال جنوبا وآخره شط العرب حيث مصب دجلة والفرات شمالا، ومن المدن العظيمة الواقعة على شاطئه بندر عباس ومسقط وبوشهر ولنجه والكويت، وهو مزدان بجزر كثيرة فيها الصغير والكبير شمالا وجنوبا وشرقا وغربا وأشهرها جزيرة البحرين جنوبا وجزيرة ببيان شمالا.
كان خليج العجم من قديم الزمان كما هو اليوم مفتاح الطريق للتجارة بين الشرق والغرب، ولا تطمئن دولة غربية في الهند ولا يستقر أمرها إذا لم تكن هي القابضة بيدها على هذا المفتاح، وذلك لأنه أسهل الطرق لتجارة الهند وأصلحها وهو أقل خطرا من المحيط الهندي وأقرب مواصلة، وهو فوق ذلك في مأمن من العواصف الهوجاء التي تنتاب البحر الهندي في الربيع والصيف فضلا عن الخريف والشتاء، فقد روى لي صديق جاوي أنه كان في صيف 1902 مسافرا فيه فقامت عاصفة دمرت الباخرة تقريبا، وكنت قبل ذلك أظن المحيط الهندي على شيء من الهدوء. وأضف إلى ذلك أن الخليج الفارسي حصن بحري حصين وبابه مضيق هرمز حيث تكاد بلاد إيران تصافح بلاد العرب، فضلا عما في هذه الطريق من الجزر الغنية والمدن العامرة كما أسلفت. ولا يضل السائح طريقه ولا يملها من سواحل الهند إلى جزائر الخليج إلى البصرة فبغداد فسوريا فمصر فأوروبا.
وقد كان هذا الخليج دائما مسرحا للفتن والقلاقل والحروب التي يسببها حب السيادة والاستعمار، يريده الإنجليز طريقا آمنة للتجارة في أيام السلم ويريدونه حصنا مغلقا في وجه غيرهم في أيام الحرب، لأنه مفتاح الهند ويريدون هذا المفتاح في يدهم وحدهم، هذه هي غايتهم الأولى والأخيرة. وقد تمكنوا من القضاء على الأسطولين الكبيرين اللذين أنشئا فيه، فإن دولة عمان كما سيجيء الكلام أنشأت أسطولا قضى على البرتغال، فكان مآله التدمير على يد الإنجليز.
وكان للبحرين أسطول شراعي كبير مسلح بالمدافع والذخيرة الوافرة، وقد استفحل أمره وبواسطته استولى حكام جزيرة البحرين على قطر والقطيف كما استولى أسطول عمان على زنجبار وشرق أفريقيا وبلغوا به رأس جواديفار (ص261 دائرة المعارف الإنجليزية، ج2، طبعة تاسعة) فخشي الإنجليز عاقبة ذلك، لأن مصلحتهم تقضي بأن تبقى بلدان الخليج متنافرة متشاقة متخاصمة لكل منها أمير مستقل كما هي الحال الآن في الكويت وأبي ظبي ودبي ورأس الخيمة، وكما كانت في المحمرة قبل أن يستولي عليها الفرس في سنة 1924، فأخطروا أمراء البحرين بأن القتال في البحر ممنوع وأن لبريطانيا حقا في منعه تعترف لها به الدول الكبرى فلا يجوز إذن أن يخرج أسطولكم إلى عرض البحر وإذا خرج فالأسطول الإنجليزي يقوم بواجبه (اقرأ يؤدبه ويحطمه)، فاحتج الشيوخ والأمراء بأن بلادهم جزر ثغورها مفتوحة غير محصنة ولا حصن لها إلا الأسطول، فإن لم ندفع به الأعداء ملكوا بلادنا ورقابنا وإذا لم ندافع هجموا علينا، فأجاب الإنجليز إذا كان الأمر كذلك فإن حكومة بريطانيا إذا امتنعتم عن الحرب البحرية تتعهد برد الأعداء عن بلادكم (اقرأ نضعكم تحت الحماية)، وهكذا تلاشى الأسطول البحراني (جزيرة البحرين) كما تلاشى قبله الأسطول العماني. هذا من جهة السياسة الخارجية.
وإذا أنت درست أحوال العرب الداخلية علمت من غير طويل عناء أن بلية العرب الكبرى كانت ولا تزال نزوع كل قبيلة بل وكل عشيرة إلى العزلة والاستقلال، لا يعرف العرب من مبدأ التضامن غير ما تأمر به القبيلة أو يدعو إليه في بعض الأقطار المذهب الديني، لا يخضع العرب لبعضهم بعضا إلا كرها، ثم ينزعون إلى السيادة المستقلة حيثما وجدوا إلى ذلك سبيلا.
فتراهم ضحايا جهلهم، وليس الجهل فقط لأن الجهل الأعزل قد لا يضر كثيرا، ولكنهم ضحايا الجهل المسلح كما كانت شعوب أستراليا وهنود أمريكا الوطنيين، وليتهم ينتفعون بهذا السلاح في محاربة أعدائهم أو رد غارة المغيرين، ولكنهم ينتفعون بهذا السلاح في قتل أنفسهم ولا يتركون وراءهم علما ولا مدنية ولا ثقافة، بل الملك والسلطة والمال لأفراد قلائل والفقر والجهل والموت للأغلبية الساحقة.
وقد بينت كيف أن الإنجليز وعدوا البحرين بالدفاع عنها ضد العدو الهاجم حتى دمرت أسطولها الحربي، وبعد ذلك كانت كل حركة دفاع من الإنجليز تفقد البحرين جزءا من حريتها واستقلالها ... درجات بعضها فوق بعض تؤدي إلى استيلاء إنجلترا على البحرين، فكيف يثقون بعهود الإنجليز ووعودهم؟ ومتى صدقت السياسة في وعودها لا سيما مع الشرقيين عامة ومع العرب خاصة؟!
Bilinmeyen sayfa