Hayat Şark
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
Türler
يؤخذ مما تقدم أن جراثيم الخطر لا تزال موجودة في ثنيات الفتوح الأوروبية وطي أفكار المقهورين الذين أتعبتهم النكبات التي حاقت بهم ولكن لم تثبط هممهم.
ثم أشار إلى رأي فريق من الأوروبيين في الإسلام، ومنهم كيمون في كتابه «باتولوجيا الإسلام»، وفيه قوله المرذول:
إن الديانة المحمدية جذام فشا بين الناس وأخذ يفتك بهم فتكا ذريعا، بل هي مرض مريع وشلل عام وجنون ذهولي يبعث الإنسان على الخمول والكسل ولا يوقظه منهما إلا ليسفك الدماء ويدمن على معاقرة الخمور ويجمح في القبائح، وما قبر محمد في مكة إلا عمود كهربائي يبث الجنون في رءوس المسلمين ويلجئهم إلى الإتيان بمظاهر الهيستريا العامة والذهول العقلي وتكرار «الله» إلى ما لا نهاية (يشير إلى حلقات الذكر) والتعود على عادات تنقلب إلى طباع أصلية ككراهة لحم الخنزير والنبيذ والموسيقى والجنون الروحاني والليمانيا والماليخوليا وترتيب ما يستنبط من أفكار القسوة والفجور في اللذات!
وكم يباهي هانوتو بأن شعبه الفرنسوي الجمهوري المبادئ البالغ أربعين مليونا ولا مرشد له إلا نفسه، لا عائلات ملوكية فيه يتنازعن الحكم ولا رؤساء يتناولون الرياسة بطريق الوراثة، هو الذي تقلد زمام شعب آخر (هو الشعب الإسلامي بأفريقيا) لا يلبث أن ينمو حتى يساويه في العدد ...
هذا هو جبريل هانوتو وزير خارجية فرنسا سابقا، وقد ظهر منذ ثلاثين عاما بمظهر المتعصب المستبد الشامت، وهو الذي يلوم إيطاليا في سنة 1911 على هجومها على طرابلس، لأنه كان يطمع في أن تغتالها فرنسا الجمهورية لتكمل لها السيادة على الشعب الإسلامي الأفريقي، وهو الذي يشتغل الآن بوضع تاريخ رسمي للدولة المصرية، فترى أية الخطط يسلك: أخطته الأولى خطة العداء والتعصب والبغضاء، أم خطة الخوف من يقظة الإسلام البادية في ملامه لإيطاليا، أم خطة ثالثة رسمتها له حوادث الحياة وتجاربها بعد أن جاوز حدود السبعين وتربع في دست الأكاديمية وطلق السياسة في وطنه وانقطع للأدب والتاريخ؟
ليس في ظني أن عتاة الغرب يتركون موقفهم حيال الإسلام، فإن ملك اليونان لما حارب تركيا أوقد نار حرب صليبية جديدة، واستنصر وزراء بريطانيا وحرك تعصب المسيحية على الإسلام، وكانت قيصرية روسيا تريد أن تجعل من جامع أيا صوفيا كنيسة، وأراد فنزيلوس ذلك ونشره في الصحف، وغيرهم يريد أن يكون مسجد عمر بن الخطاب معبدا أو هيكلا لملة أخرى، ووصف لويد جورج دخول جنرال اللنبي لبيت المقدس بآخر حرب صليبية.
غير أن هذه الأفكار لم تتغير في خلال السنين القليلة من القرن العشرين التي تلت حروب أوروبا ضد تركيا، فإنه لما نشبت الحرب العظمى وانضمت تركيا إلى ألمانيا مضطرة مقهورة، قام ساسة أوروبا الغربية والحلفاء يصرحون رسميا بأن الغاية الكبرى من الحرب هي إنشاء نظام عالمي حديث أساسه مكارم الأخلاق والإنصاف ورعاية حقوق الأمم المستضعفة وإطلاق الحرية للأمم الصغيرة ونظرية تقرير المصير، ولكن جاء مؤتمر فرساي كاشفا عن مقاصد أوروبا فما خسرته في الميادين الأوروبية كسبته في الممالك الشرقية وخرجت كل دولة منها بغنيمة، فدفع الإسلام حساب تلك الحرب في العراق وجزيرة العرب وسوريا وشمال أفريقيا، لأن فرنسا وإسبانيا اقتسمتا مراكش، وظهر أن أوروبا لا تريد بالشرق والإسلام خيرا وأن منهاج ويلسون وتصريحات ساسة الحلفاء لم تكن إلا حبائل نصبت حتى استعانت أوروبا بجيوش شرقية واشترت سكوت الأمم المغلوبة أثناء الحرب بأبخس الأثمان، وهو الكلام والوعود التي صدقها أو تظاهر بتصديقها (وهو الأصح) الملك حسين ومن كانوا معه، وقد شعر بعض علماء المشرقيات والمشتغلين بالمسائل الإسلامية بقوة هذه الصدمة.
فقال ليون كايتاني مؤلف كتاب
Les annales de L’Islam (وقد زار مصر في سنة 1908) في سنة 1919 ما نصه:
إن الحرب العظمى قد هزت البناء الشرقي من أساسه وبعثت في شجرة حياته روحا جديدا، فالشرق بأجمعه من أقصى الصين إلى المحيط يضطرب، ففي مصر وبلاد العرب وجميع الأقطار المحمدية حركات وطنية ونهضات قومية كبرى، جميعها متماثلة الصفة العامة وموحدة الغاية ترمي إلى البعث من جديد ومقاومة الهجوم الأوروبي.
Bilinmeyen sayfa