161

Hayat Şark

حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره

Türler

جراثيم الحلف العربي

إن إشاعة الحلف العربي جددت في الأذهان المسألة العربية بحذافيرها، فقد جاء إلى مصر نوري السعيد باشا رئيس وزراء العراق وأقام بها أياما، ثم سافر إلى الحجاز ولقي ابن سعود وتعاهدا على أمور عامة لا علاقة لها بالحلف بعضها خاص بحسن الجوار وبعضها بتسليم المجرمين، حتى إن الجريدة العربية التي نشرت أول أخبار الحلف وحضت عليه قالت في أحد أعدادها: «لا حلف ولا بلوط!» وقد رأينا بشأن هذا الحلف في عام 1931 أمورا تلفت النظر، أولها نشر مقالات بقلم أمير البيان و«كاتب الدهر» شكيب أرسلان تحبذ الحلف وتدعو إليه وقد حللناها في غير هذا المكان. وقد التقينا ببعض الثقات من رجال السياسة العربية الذين لهم اطلاع على خفايا الأمور في العالم الإسلامي وما تلعبه إنجلترا من أدوار السياسة الاستعمارية، فأنبئونا بأن هذا الحلف العربي أحبولة إنجليزية ويرجع عهده إلى أربع أو خمس سنين، وأن الغاية منه وضع نطاق حول جزيرة العرب وحماية النفط وإخضاع العراق وتأمين طريق الهند وإعداد متاريس ضد سياسة إيطاليا في الجنوب وروسيا في الشرق.

وقد حدثت في تلك الفترة نفسها حركة قوية في المعارضة ببغداد، فاستقال بضعة نفر من النواب بقيادة ياسين باشا الهاشمي وانضم عدد كبير من المعارضين لحزب الإخاء، ولجأت حكومة العراق للعنف وتقييد حرية الصحف، وقد عمل نوري باشا بشدة وصرامة عمل الرجل الحكومي الذي يعضده جلالة الملك والانتداب.

ومن هذا تبين أن الإنجليز يقصدون إلى تنفيذ المعاهدة ونصرة سياستهم.

وقامت قيامة الصحافة العربية ضد مشروع الحلف العربي في أنحاء الشرق، وفي العراق نفسه كتب سياسي خبير ضد الحلف وانتقد الأمير شكيب، وعجب من تحوله عن خطته التي سلكها منذ بضع سنين ضد الاستعمار تحولا لا مبرر له وليس ما يدعو إليه، واستشهد في تأييد رأيه ببعض أحوال السيد ساطع الحصري مدير المعارف العراقية سابقا وأحد المقربين من جهة عليا وسياحته الأخيرة إلى القسطنطينية واتصاله اتصالا مباشرا ببعض المحبذين لفكرة الحلف. وقد دل ما كتبه المنتقد على شدة الحال في العراق، وتصميم إنجلترا على تنفيذ المعاهدة، وإنهاء مسألة النفط، والاتفاق عليها مع الفرنسويين، وأن الدعوة للحلف ليست إلا جزءا من تنفيذ سياسة الزيت الموصلي.

وقد دلت حالة الاستعمار في العراق ومصر والهند وسوريا وفلسطين وشمال أفريقيا (طرابلس والبربر) على مرور موجة عنف في أذهان المستعمرين الأوروبيين، وثبت أن كل من يحبذ الحلف العربي إنما يعضد الاستعمار مباشرة وإن كان يختفي وراء المصلحة العربية ويقول: «بكينا حتى عمينا في سبيل الحلف العربي.»

وقد بقيت مسألة الحلف وتاريخه في غموض إلى أن حاول بعضهم كشف القناع عن حقيقتها، فروي أنه في سنة 1922 كان إحسان الجابري وموسى كاظم الحسيني وأمين التميمي وناجي الأصيل وجعفر العسكري، يمثلون فلسطين والملك حسين والعراق ونجد، اجتمعوا في لندن فقرروا فيما بينهم ومن تلقاء أنفسهم أن يسعوا في تقريب الأمم العربية وأقسموا يمينا على توحيد العرب وإقناع الملوك. قال مراسل جريدة الفتح من باريس ص4 عدد 247 عمود 2: «إن مراسل الديلي ميل سألهم عن سبب اجتماعهم، فأخبره جعفر العسكري بكل صراحة فنشر الخبر وتناقلته الصحف وكانت له ضجة.» ا.ه. كلام المراسل. وفي سنة 1923 وجه شكيب أرسلان وإحسان الجابري بيانا بليغا يدعو إلى الوحدة العربية إلى البلاد العربية وملوكها. ويقول إحسان الجابري: «إن الإنجليز لم يبدوا رأيا بل اعتبروا المسألة كشيء بسيط، ولا يبعد أن يكون سكوتهم رضا.» وقال أيضا: «فرنسا لا شك لا تنظر إليه بعين الرضا وكذلك إيطاليا، بل هو سيقضي على مطامع هذه في اليمن. ولا يخفاكم أن سياسة الإنجليز في الشرق كثيرا ما رمت إلى الغدر والخيانة، فحياد الإنجليز في هذه المسألة قد أقلق بعض الناس ...»

وإذن يكون الجابري قد كشف القناع ورفع الستار عن ذلك المشروع الخفي، فإن اجتماع هؤلاء الأشخاص في لندن، وهي عاصمة الإمبراطورية، وفيهم أشخاص مشهورون بخدمة الإنجليز شهرة واسعة، واقتراحهم هذه الفكرة بغير داع أو مناسبة، ومبادرتهم إلى إذاعتها على لسان الديلي ميل وهي جريدة استعمارية، مع أن المشروع نفسه لو كان منطويا على الإخلاص كان أحرى بالكتمان لا سيما في عاصمة إنجلترا التي اشتهرت سياستها في الشرق بالغدر، مع علم هؤلاء المجتمعين الفضوليين أن فرنسا وإيطاليا تنظران إلى الحلف بعين السخط وأنهما بالمرصاد لمن يحاوله أو يدعو إليه، أضف إلى ذلك سكوت إنجلترا عنه وتفسير سكوتها بالرضا تارة وطورا بأنه شيء بسيط في نظرها، وتسليم الجابري بأن قلق الناس من خبر الحلف في محله، لأنهم يوجسون خيفة من سياسة إنجلترا في الشرق؛ كل هذه الأسباب تدعو إلى الجزم بأن الحلف العربي دسيسة إنجليزية قد استخدم بعض رجال الشرق في الدعوة إليها وهم يعلمون ولعلهم مأجورون، وبعضهم بحسن نية وجهالة وهؤلاء معذورون ولكنهم ملومون لاشتغالهم بالسياسة وهم فيها أصغر من الأطفال والرضعان.

أما انفراد الجابري وشكيب بعد ذلك بالدعوة للحلف وافتخار الجابري بأنه كان أول من دعا إليه مع رفقائه فتفسيره ظاهر، وأقل ما يقال فيه إن الجابري قد يعتذر بأن الحلف يقلق فرنسا ويرضي الإنجليز، وأن شكيبا يرى في ممالأة إنجلترا أو ألمانيا ما يعلله ب «التوازن الدولي» بالنظر إلى معاداته لفرنسا.

وهذا لون من المعقولية التركية التي كانت تسود السياسة الشرقية العربية في القرن التاسع عشر، ولكن هذا التوازن الدولي سوف ينتهي بضياع جزيرة العرب وإخضاع العراق والقضاء على الإمام يحيى، وهو الملك المستقل الوحيد في جزيرة العرب. وإذا كان شكيب أو غير شكيب بكى حتى عمي على الحلف العربي قبل الحرب والدول العربية قوية وشعوبها مستقلة وآمنة وقادرة على العمل السياسي المطمئن ومع هذا كله فلم يتم الحلف، فكيف يؤمل له تماما الآن وكل بلاد العرب واقعة تحت السيطرة الأجنبية سواء بالانتداب أو الاستعمار أو الحكم المباشر؟ وهل الإنجليز غفلوا وعموا وجهلوا حتى يتركوا العرب يتحالفون فيما بينهم إن لم يكن هذا الحلف ثمرة تفكيرهم وأداة يعدونها لمصلحتهم ومحاربة خصومهم ولهم فيه مآرب أخرى؟

Bilinmeyen sayfa