144

Hayat Şark

حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره

Türler

وفي عهد دوبس انشقت الأحزاب على بعضها ودخل بعضها في الانتخاب وتنحى البعض الآخر وممن قاطعوه الحزب الحر العراقي. وفي تلك الفترة وبينا تذيع وزارة السعدون عزمها على تعيين موعد لانتخاب النواب فاجأتها أزمة قضت بسقوطها ولعلها أسباب مالية. وحل جعفر العسكري محل السعدون ونشر جعفر باشا برنامجا ضخما ولكنه تقليدي ويصعب تنفيذه ولم توفق الوزارة إلى تنفيذ أكثر من أربعة شروط، أهمها تنفيذ المعاهدة الإنجليزية العراقية فيما يختص بالموظفين الإنجليز بالعراق وانتخاب أعضاء مجلس التأسيس والاتفاقية العسكرية والاتفاقية العدلية المتعلقة بحقوق رعايا الدول الأجنبية.

الفصل الرابع والعشرون

العرب والعراق والمندوبون الساميون وجلالة الملك فيصل

حكم العراق من عهد العباسيين

خفق العلم العثماني على بلاد العراق من أواسط القرن الحادي عشر الهجري (حوالي 1050ه) مذ استردها السلطان مراد الرابع من دولة العجم، وما زال خافقا من أعلى الموصل شمالا إلى الخليج الفارسي جنوبا ثلاثة قرون حتى أنزلته يد الحلفاء المحاربين للدولة والجنود المرتزقة الذين أعانوهم من عرب الجزيرة وغيرهم.

وفي خلال تلك الأعوام الثلاثمائة حكم الأتراك بلاد العراق تارة حكما عسكريا وطورا حكما مدنيا، وكان من حسن حظ البلاد أن استعمل عليها مدحت باشا، ولولا إصلاح هذا الرجل ما كان في البلاد شيء يذكر فقد أنبت جماعة من المنورين في بغداد الذين يعدون خميرة الإصلاح والحياة القومية.

لقد شقي العراق من عهد العباسيين الأخير ومضى عليه أكثر من سبعة قرون في انحطاط وخراب، ولم يستطع الأتراك في الثلاثة قرون الأخيرة أن يعيدوا إليه مجده أو حياته لأسباب يطول شرحها، ولكنه بلا ريب أكثر بلاد الإسلام تماسكا وأخلاق أهله أقل أخلاق أهل الشرق الإسلامي تدهورا، فيه ضعف وملاينة وتساهل في الحقوق ولكن ليس فيه جبن ونفاق وخيانة على الصورة المخزية التي نراها في بلاد الشرق الأخرى، وذلك لأن عصبية العرب وحياة القبائل وتضامن الطبقات لا تزال مصدرا لقوته أمام الأجنبي. نعم، فيه انشقاق الشيعة والسنة، وفيه مبدأ «التقية» المذموم، ولكن الشيعيين أظهروا أنفسهم على أكبر نصيب من الشجاعة وحب الوطن والإخلاص له وقد انضموا إلى أهل السنة في النزاع القومي وقاموا بنصيب وافر من الكفاح الوطني، وكانوا أشبه الناس في نهضة العراق بالدروز في ثورة سورية من حيث الثبات والتمسك بالمبادئ، وكان منهم زعماء يكادون يقودون الحركة بأسرها، وقد ضحوا بكل شيء في سبيل نصرة القضية العراقية.

وللأسف كانت الدولة العثمانية في أواخر عهدها، وهذا من علائم الانحلال، نهبا بين العنصرين العربي والتركي، وقد ظهر هذا الانقسام في جميع أنحائها، وقد شهدت هذا الانقسام على أشده في سنة 1910 وسنة 1911 في الأستانة، فكان العربي يريد أن يزاحم التركي على مناصب الحكم ويريد التركي أن يسيطر على الجيش والسياسة والإدارة ويكون العنصر السائد على جميع العناصر التي تتكون منها السلطنة.

وكان شبان الترك لا يحترمون العرب، وأول من لفت الأنظار لهذا الأمر ع. ع. بك المصري (وهو الآن مقيم بأحد بلاد القطر المصري)، فقد وصفه الاتحاديون بأنه مصدر الفكرة العربية في الجيش، وكان «ع» بك ذا مكانة سامية بين العرب والترك ولكنه كان بعد ظهور الدستور العثماني يبث فكرة الثورة وإشعال نارها في جزيرة العرب، وغايتها إنشاء دولة عربية في مكة يقلد صولجانها وتاجها للأسرة الشريفية (الحسين بن علي وأولاده)، وذلك لمقاومة فكرة الاتحاديين التي ترمي لسيادة العنصر التركي في أنحاء الدولة، وأسس العرب بإرشاد «ع» بك جمعية الإخاء العربي في سنة 1326 وكانت جمعية رسمية سياسية، ولكن كان وراءها جمعيات سرية كثيرة.

وهذه الجمعية لم تقم بعمل يذكر للدولة ولا لأعضائها ولكنها حلت وأعدم رئيسها الصوري شفيق بك المؤيد، الذي رأيناه في الأستانة سنة 1910 وكان من أعضاء مجلس الأعيان، وتألفت بعدها الجمعية القحطانية في 1909 وترأسها حمادة باشا. وهاتان الجمعيتان اللتان ربما كانتا حسنتي النية نحو الدولة قد سببتا ظهور جمعيات أخرى أثبتت خيانتها ومنها حزب اللامركزية الإدارية العثماني، وانتشر منهاج هذا الحزب في الأقطار العربية بسرعة البرق وذلك بفعل الدعاية الاستعمارية، لأن بعض هؤلاء الأعضاء الذين ادعوا حب العرب وإحياء مجد العرب كانوا جميعا متصلين بالسلطات الإنجليزية في الشرق وفي أوروبا.

Bilinmeyen sayfa