أنت دائما إما خارج المنزل أو نائم. (لا أريد سوى ليلة حب جامحة!)
اندهشت أن شخصا بالغا يعرف أو لا يزال يتذكر كلمات كهذه. التعاقب السريع للأبيات، تلك الكلمات القصيرة المكتنزة المنظومة بأسلوب فاحش، كلمات تنفث شهوة عظيمة كدفقات من الكيروسين تنثر على مشاعل. لكنها كانت مكررة مسهبة، وبعد برهة بدأت أشعر بالجهد الميكانيكي الذي احتاجه نظم هذه الكلمات، وهو ما جعل فهمها مهمة شاقة، ومملة بصورة محيرة. غير أن الكلمات نفسها كانت تومض بالقوة، وبالأخص كلمة «النكاح»، وهي كلمة لم أكن أستطيع النظر إليها حين تكون مكتوبة على الأسوار أو الأرصفة. لم أكن أستطيع أن أتأمل من قبل قوتها الوحشية وتأثيرها الذي يشبه تأثير التنويم المغناطيسي.
أجبت السيد تشامبرلين بالنفي عندما سألني عما إذا كنت قد أنهيت واجبي المدرسي. ولم يلمسني طوال تلك الأمسية، لكنني عندما خرجت من المدرسة يوم الاثنين، كان بانتظاري. «ألا تزال صديقتك مريضة؟ إنه أمر سيئ، لكنه لطيف أيضا. أليس لطيفا؟» «ماذا؟» «الطيور لطيفة، الأشجار لطيفة، من اللطيف أن تصحبيني في جولة بالسيارة، وأن تتقصي بعض الأمور من أجلي.» قالها بصوت صبياني. معه لا يكون الشر أمرا من الكبائر أبدا؛ كان صوته يشعرني بأنه من الممكن فعل أي شيء، أي شيء على الإطلاق ثم نحوله إلى دعابة، دعابة تهزأ بكل الوقورين والأخلاقيين والعاطفيين ومن يخالجهم الشعور بالذنب، كل من «يعقدون حياتهم على أنفسهم». كان هذا هو ما لا يستطيع هو احتماله في الناس. فكانت ابتسامته الخفيفة مثيرة للاشمئزاز، تحمل قدرا هائلا من الرضا عن الذات وتغطي هاوية هائلة من عدم الإحساس بالمسئولية، أو ما هو أسوأ. لكن هذا لم يجعلني أعيد التفكير في الخروج معه وأن أفعل كل ما كان يجول بخاطره؛ فلم تكن أخلاقياته تعنيني كثيرا في هذا السياق، بل وربما كان من الضروري أن تكون أخلاقا سيئة.
كانت الإثارة التي ولدتها قصائد فيرن الفاحشة قد تملكتني تماما.
قال بنبرة عادية: «هل فتشت جيدا؟» «نعم.» «ولم تجدي أي شيء؟ هل فتشت جميع أدراجها؛ أعني أدراج منضدة الزينة، وصناديق القبعات، وحقائب الملابس؟ هل فتشت خزانة الملابس؟»
قلت برزانة: «فتشت وفتشت في كل مكان.» «لا بد أنها تخلصت منها.» «أعتقد أنها ليست عاطفية.» «عاطفية! لا أعلم ماذا تعني هذه الكلمات الكبيرة أيتها الفتاة الصغيرة.»
كنا نمضي بالسيارة إلى خارج المدينة، اتجهنا جنوبا على الطريق السريع رقم 4 ثم انعطفنا إلى أول طريق جانبي. قال السيد تشامبرلين: «صباح جميل، معذرة أعني نهار جميل، يوم جميل .» تطلعت خارج النافذة، شعرت أن الريف الذي أعرفه قد تغير بوجوده، وبصوته، وبمعرفتي المسبقة بطبيعة المهمة التي نحن بصددها معا. طوال عام أو عامين، كنت أتطلع إلى الأشجار والحقول والمناظر الطبيعية بانسجام سري قوي. في بعض الأيام، وفي حالة مزاجية معينة، كان مرأى أجمة من العشب أو سياج قضباني أو كومة من الأحجار يولد بداخلي المشاعر المتدفقة التي كنت أتمناها - وأشعر بإشاراتها - فيما يتعلق بالتواصل مع الرب. لم أكن أشعر بهذا عندما يكون معي أحد، أما الآن ومعي السيد تشامبرلين، فكنت أرى الطبيعة كلها وضيعة ومثيرة جنسيا بجنون. كان ذلك الوقت هو أثرى أوقات السنة وأنضرها؛ فكانت القنوات تزهر زهور الأقحوان والتودفلاكس والحوذان، وكانت الفراغات مليئة بشجيرات مجهولة الاسم ذات لون ذهبي باهت وبريق جداول المياه. كنت أرى في هذا كله منظومة ضخمة من أماكن اختباء؛ فالحقول المحروثة في الخلفية ترتفع كفرش فاحشة، وتلك الممرات الصغيرة المفتوحة بين الشجيرات، والمناطق ذات الأعشاب المسحوقة التي لا شك أن بقرة ما نامت عليها، بدت لي مغرية بصورة قوية مثل كلمات أو لمسات بعينها. «أتمنى ألا نقابل والدتك تقود سيارتها هنا.»
لم أظن أن هذا يمكن أن يحدث، فقد كانت أمي تسكن طبقة من الواقع تختلف تماما عن الطبقة التي صرت أنا فيها.
انحرف السيد تشامبرلين عن الطريق متبعا ممرا انتهى سريعا في حقل. وقوف السيارة، وانقطاع تيار الصوت والحركة الدافئ الذي كان يغمرني جعلني أرتجف ارتجافة خفيفة. بدأت الأحداث تغدو حقيقية. «دعينا نتمش قليلا حتى الجدول.»
خرج من باب السيارة المجاور له وخرجت من الباب المجاور لي، ثم تبعته عبر منحدر بين أشجار الزعرور البري في مرحلة الازدهار تفوح منها رائحة خميرية. كان هذا طريقا مطروقا؛ إذ كان فيه علب سجائر وزجاجة جعة وعلبة علكة تشكلتس ملقاة على العشب، ثم انتهينا إلى أشجار تحيطنا إحاطة تامة.
Bilinmeyen sayfa