ولكن هذا لم يكن كل شيء، فقد سألني: «هل لديكم مخبز في المدينة؟» اصطحبته إلى مخبز ماكارتر؛ حيث اشترى دزينتين من كعك الزبد، ودزينتين من الكعك المغطى بالسكر والمكسرات، وكعكة جوز الهند بارتفاع نصف قدم. كان الموقف يذكرني بقصة أطفال لدي في المنزل تروي قصة فتاة صغيرة تتمكن بطريقة ما من أن تجعل أمنياتها تتحقق، أمنية واحدة كل يوم لمدة أسبوع ثم يتضح بالطبع أنها تجلب لها التعاسة. ومن بين تلك الأمنيات أن تحصل على كل ما اشتهت تناوله من الطعام في حياتها. اعتدت أن أفتح ذلك الجزء وأقرأ وصف الطعام مرة تلو الأخرى كي أستمتع به فحسب، متجاهلة أصناف العقاب التي حلت بها لاحقا، والتي أوقعتها بها قوى خارقة للطبيعة تراقب الطمع طوال الوقت. ولكنني أدركت الآن أن الكثير من كل شيء قد يكون زائدا عن الحد فعلا، وحتى أوين قد يكون أصيب بالإحباط في نهاية الأمر من هذا السخاء السفيه الذي أفسد نظام المكافآت المتعارف عليه وقضى عليه تماما.
قلت للخال بيل: «إنك أشبه بجني جاء لتحقيق الأمنيات.» وكنت أقصد ألا أبدو طفولية بل تهكمية بعض الشيء، وأردت أيضا بتلك الطريقة المبالغ فيها أن أعبر عن الامتنان الذي كنت أخشى أنني لم أكن أشعر به بالقدر الكافي، ولكنه أخذ الأمر على محمل طفولي في أبسط صوره، وردد الكلام على مسامع أمي عندما عدنا إلى المنزل. «أخبرتني أنني أشبه بجني جاء لتحقيق الأمنيات، رغم أنني اضطررت لأن أدفع نقدا!» «حسنا، لست أدري ماذا أفعل بكل هذا يا بيل، عليك أن تأخذ بعض الأشياء معك في طريق العودة.» «إننا لم نقطع كل تلك المسافة من أوهايو إلى هنا كي نتبضع. ضعي تلك الأشياء في مكانها بعيدا، فلسنا بحاجة إليها. طالما أن لدي مثلجات بالشوكولاتة للتحلية، فلا يهمني أي شيء آخر، فعشقي للحلوى لم يفارقني قط، ولكنني فقدت بعض الوزن، لقد فقدت ثلاثين رطلا منذ الصيف الماضي.» «اطمئن إنك لم تتحول بعد إلى حالة تستحق إعانة ما بعد الحرب.»
أزالت أمي مفرش المائدة الذي يحمل بقع شاي وصلصة عمرها يوم ووضعت مفرشا جديدا، وهو المفرش الذي تطلق عليه مفرش ماديرا، وهي أفضل هدية حصلت عليها بمناسبة زفافها. «هل تعلمين أنني كنت قزما يوما ما؟ كنت رضيعا نحيلا، وعندما كان عمري عامين كدت أموت بالالتهاب الرئوي، ولكن أمي نجحت في أن تجعلني أتعافى وبدأت تطعمني. ولم أبذل مجهودا لفترة طويلة وبدأ وزني يزيد.»
وقال بلهجة من التعظيم المفعم بالحزن: «أمي، ألم تكن كقديسة تسير على الأرض؟ إنني أؤكد لنايل أنها كانت ستتمنى التعرف عليها.»
رمقت أمي نايل بنظرة فزعة (هل تعرفت هاتان السيدتان على بعضهما؟) ولكنها لم تقل ما إذا كانت ترى أنها فكرة صائبة.
فقلت لنايل: «هل تفضلين طبقا عليه رسوم طيور أم ورود؟» كنت أرغب فقط في أن أحملها على الحديث فحسب.
فقالت بصوت هادئ: «لا يهم» وهي تنظر إلى أظافرها الخضراء كما لو أنها تعويذة لتبقيها في هذا المكان.
ولكن هذا كان مهما بالنسبة لأمي التي قالت: «ضعي أطباقا متشابهة على المائدة، فلسنا فقراء لدرجة أننا لا نملك طقما من الأطباق!»
فقلت وأنا ما زلت أحثها على الحديث: «هل ترتدين اللون الأخضر النيلي لأن اسمك نايل؟ هل هذا اللون هو الأخضر النيلي؟» كنت أراها حمقاء، ولكنني أعجبت بها بشدة رغم ذلك، وشعرت بالامتنان لكل كلمة صغيرة تتفوه بها، والتي كانت تخرج من فمها وكأنها فقاعة عديمة اللون. لقد وصلت إلى حد متطرف في الزينة الأنثوية والتكلف المثالي الذي لم أكن حتى أعلم بوجوده، وعندما رأيتها أدركت أنني لن أصبح جميلة أبدا. «إنها مجرد صدفة أن اسمي نايل، وهذا لوني المفضل منذ زمن بعيد قبل حتى أن أسمع عن لون يطلق عليه الأخضر النيلي.» «لم أكن أعلم أنه ثمة طلاء أظافر باللون الأخضر.» «عليك أن تطلبيه خصيصى.»
كان الخال بيل لا يزال شاردا في أفكاره الخاصة، وأردف: «كانت أمي تأمل أن نظل في المزرعة ونحيا بالطريقة نفسها التي تربينا بها.» «لا أتمنى لأي أحد أن يحيا في مزرعة كتلك، فلا يمكنك فيها تربية الأعشاب التي تقتات عليها الطيور.» «ليس الجانب المادي هو كل شيء دائما يا آدي، ولكن ثمة القرب من الطبيعة، بدلا من كل ما نعانيه الآن من الانشغال طوال الوقت، والقيام بأمور لا تناسبنا، وعيش حياة الأثرياء، ونسيان المسيحية. كانت أمي تشعر أنها حياة جيدة.» «وما الجيد في الطبيعة؟ فما الطبيعة إلا مجرد كائن يفترس آخر وهكذا على كافة المستويات، ما الطبيعة إلا مجرد الكثير من النفايات والقسوة، ربما لا من وجهة نظر الطبيعة ولكن من وجهة نظر الإنسان. القسوة هي قانون الطبيعة.» «حسنا، لست أقصد ذلك يا آدي. لست أقصد الحيوانات المفترسة وما إلى ذلك، بل أعني حياتنا التي عشناها في منزلنا، حيث لم يكن لدينا الكثير من وسائل الراحة، أعترف بذلك، ولكننا كنا نحيا حياة بسيطة ونعمل أعمالا شاقة ونستنشق هواء نقيا ولدينا نموذج روحاني في والدتنا. لقد توفيت صغيرة يا آدي، توفيت متألمة.»
Bilinmeyen sayfa