12
فقبضت عليها يدي، ثم قلت: أفتراك تصرح برأيك هذا في سعد لقرائك وأنت تأكل الخبز في مدحه والتعلق بذكراه ...؟ قال: فاكتب إلي هذا السؤال في صحيفة من الصحف تقرأ جوابي كما عرفته الآن ...»
قال الرافعي: «وابتسمت لقوله ذاك، وأجبته: يا سيدي، إن الرافعي ليس من الحماقة بحيث يسأل هذا السؤال في صحيفة من الصحف فتنشر السؤال ولا ترد عليه، فيكون في سؤالي وفي صمتك تهمة لي ، وتظل أنت عند قرائك حازما أريبا بريئا من التهمة مخلصا لذكرى سعد!»
قال الرافعي: «وما قلت ذلك - وإن ورقته في يدي أشد عليها بأناملي - حتى تقبض وجهه، وتقلصت عضلاته، ثم قال في غيظ وحنق: ومع ذلك فما لك أنت ولسعد؟ إن سعدا لم يكتب هذا الخطاب، ولكنك أنت كاتبه ومزوره، ثم نحلته إياه لتصدر به كتابك فيروج عن الشعب!»
قال الرافعي: «وما أطقت الصبر بعد هذه التهمة الشنيعة، ولا ملكت سلطاني على نفسي، فهممت به ... فدخل بيننا الأستاذ صروف. فدعا العقاد أن يغادر المكان ليحسم العراك ويفض الثورة، فخرج والباب يبصق في قفاه!»
13 •••
هذه رواية الرافعي، حدثني بها غير مرة في غير مجلس، كما تحدث بها إلى غيري من أصدقائه وخاصته، فما لي فيها إلا الرواية والتصرف في بعض الكلام؛ تأدبا مع العقاد وكرامة لذكرى الرافعي.
وقد بدا لي أن أستوثق مما حدثني به الرافعي، فقصدت إلى الأستاذ فؤاد صروف - محرر المقتطف - أسأله الرأي في هذه الرواية؛ إذ كان من شهود الحادثة على ما رواها الرافعي، فقال: «... هذا الحديث في جملته وفي موضوعه لا اعتراض لي عليه، وبقدر ما تطاوعني الذاكرة أستطيع أن أجزم بأن شيئا من ذلك قد كان، ولكن الذي رواه لك الرافعي من حديث العقاد في هذه المناظرة ليس على نصه، قد يكون هذا مؤدى ما قال ولكنه ليس به، والرافعي - رحمه الله - كان أصم، ولم يكن كل الحديث بينهما مكتوبا، وقد قال العقاد في مناظرته كلاما لم يكتبه ولم يسمعه الرافعي، ولكنه تخيله على ما أحسب، فكانت روايته للحادثة من بعد معنى يرويه لا لفظا يحكيه. ... ولكني مع ذلك لا أنكر ما كان من حديث العقاد في هذه المناظرة عن القرآن وإعجاز القرآن، ورأيه في ذلك يعرفه أصحابه!
ثم لا أدري من أين جاء الرافعي أنني دعوت العقاد أن يغادر المكان، فما كان ينبغي لي هذا، ولا هو من آدابي، وإنهما لضيفان في داري، وأحسب أن الرافعي قد فهم ذلك خطأ حين رأى العقاد يغادر المجلس !»
قلت: «وقد أطلعني الرافعي على ورقات قال: إن العقاد كان يحدثه كتابة فيها، وفيها عبارات تبرهن على صدق الرافعي في روايته! ... كما أشار الرافعي في كتابه «على السفود» إلى طرف من هذه المحاورة، وإلى هذه الورقات التي يحتفظ بها برهانا على بعض ما يصف به العقاد.»
Bilinmeyen sayfa