ويمضي في هذه المقدمة يتحدث عن حبه، وآلامه في الحب، ورأيه في الحب، وشيء مما كان بينه وبينها، ثم يتحدث عن نهجه في هذه الرسائل، وما أراد بها، وما أوحاها إليه، في أسلوب كله حنين، وكله شوق وألم.
ثم تأتي بعد ذلك فصول الكتاب متتابعة على ما أوضحت طريقها من قبل: فيها حنين العاشق المهجور، وفيها منية المتمني، وفيها ذكريات السالي، وفيها فن الأديب وشعر الشاعر، وفيها من رسائلها ومن حديثها ... •••
من أراد أوراق الورد على أنه قصة حب في رسائل لم يجد شيئا، ومن أراده رسائل وجوابها في معنى خاص لم يجد شيئا، ومن أراد تسلية وإزجاء للفراغ لم يجد شيئا، ومن أراده نموذجا من الرسائل يحتذيه في رسائله إلى من يحب لم يجد شيئا، ومن أراده قصة قلب ينبض بمعانيه على حاليه في الرضا والغضب، ويتحدث بأمانيه على حاليه في الحب والسلوان، وجد كل شيء.
وهو في الفن فن وحده، لا تجد في بيانه ومعانيه ضريبا له مما أنشأ الكتاب وأنشد الشعراء في معاني الحب، على أنه بأسلوبه العنيف وبيانه العالي وفكرته السامية في الحب، لا يعرف قراءه في العربية، وكم قارئ استهواه عنوان الكتاب وموضوعه فتناوله بشوق ولهفة، فما هو إلا أن يمضي فيه صفحات قليلة حتى تسلمه يمناه إلى يسراه إلى الزاوية المهملة من مكتبته، ثم لا يعود إليه ...
وكم قارئ كان لا يعرف الرافعي الشاعر الثائر العنيف في حبه وبغضه وكبريائه، فلما قرأ «أوراق الورد» عرفه فأحبه فاستخلصه لنفسه فما يعرفه في الأدباء إلا أنه مؤلف أوراق الورد.
وكم وكم ... ولكن أوراق الورد ما يزال مجهولا عند أكثر قراء العربية وإن كان في مكتباتهم؛ لأن القارئ الذي يلذه أوراق الورد ما زال يتعلم في المدرسة كيف يقرأ ليستفيد ويضم فكرا إلى فكره لا ليتسلى ويهرب من فكره؛ لأن العربية ليس لها قراء ...!
ليت شعري أفي العربية كلها شاعر يستطيع أن ينظم ورقة واحدة من أوراق الورد أو يجمع معانيها في قصيدة؟ ابحثوا عن جمهور هذا الشاعر وقرائه يوم تسمعون قصيده ...
أرأيت إلى المنجم الذي يمتد في الأرض ويتغلغل بعروق الذهب؟ إنه كنز، ولكن من ذا يصبر على المعاناة في استخراجه والبلوغ إليه إلا أن يكون صاحب أيد وقوة؟ إنه كنز يطلبه الجميع، ولكنك لن تجد في الجميع من يقدر على استخلاصه من بين الصخور المتراكبة عليه وحواليه من طبقات الأرض إلا الرجل الواحد المحظوظ الذي يكون معه الصبر.
إن أوراق الورد منجم من المعاني الذهبية، لو عرفه المتأدبون من شبابنا لوضعوا يدهم على أثمن كنز في العربية في معاني الحب والجمال يكون لهم غذاء ومادة في الشعر والبيان.
وكان الرافعي - رحمه الله - يعتز بأوراق الورد اعتزازه بأنفس ما أنتج في أدب الإنشاء، ويباهي ويفتخر، وما أحسبه تعزى عن صاحبته بقليل إذ تعزى بما لقي من النجاح والتوفيق في إنشاء أوراق الورد، وكما تجد الأم سلوتها في ولدها العزيز عن الزوج الحبيب الذي طواه الموت، وجد الرافعي العزاء في أطفال معانيه عن مطلقته العنيدة ... لقد فارقها ولكنه احتواها في كتاب!
Bilinmeyen sayfa