الرافعي
أتراني أستطيع الحديث عن الرافعي العاشق فأوفي القول وأبلغ الغاية ... وهل يكون لي أن أدعي أنني أكتب في هذه الصفحات تاريخ الرافعي إذا أنا لم أعرض لحديث الرافعي العاشق ...؟
وهل خلت فترة في حياة الرافعي من الحب؟
ذلك الرجل الذي لا يتخيله أكثر من لم يره إلا شيخا معتجر العمامة مطلق العذبة مسترسل اللحية مما قرءوا له من بحوث في الدين وآراء في التصوف وحرص على تراث السلف وفطنة في فهم القرآن مما لا يدركه إلا الشيوخ، بل مما لا يدركه الشيوخ.
هذا الذي يكتب عن إعجاز القرآن، وأسرار الإعجاز، والبلاغة النبوية، ويصف عصر النبوة ومجالس الأئمة وكأنه يعيش في زمانهم وينقل من حديثهم ...
هذا الذي كانت تتصل روحه فيما يكتب - من وراء القرون - بروح الغزالي، والحسن البصري ، وسعيد بن المسيب، فما تشك في أن كلامه من كلامهم وحديثه من إلهام أنفسهم ...
هذا الذي تقرأ له فتحسبه رجلا من التاريخ قد فر من ماضيه البعيد وطوى الزمان القهقرى ليعيش في هذا العصر ويصل حياة جديدة بحياة كان يحياها منذ ألف سنة أو يزيد في عصر بعيد ... ... هذا الرجل كان عاشقا غلبه الحب على نفسه وما غلبه على دينه وخلقه ...!
إن الحديث عن حب الرافعي لحديث طويل، فما هي حادثة أرويها وأفرغ منها، وحبيبة واحدة أصفها وأتحدث عنها، ولكنها حوادث وحبيبات، وعمر طويل بين العشرين والسابعة والخمسين، لم يشرق فيه صباح ولم يجن مساء إلا وللرافعي جديد في الحب، بين غضب ورضا، ووصل وهجر، وسلام وخصام، وعتب ودلال، وحبيب إلى وداع وحبيب إلى لقاء ... وشاب الرافعي وما شاب قلبه، وظل وهو يدب إلى الستين كأنه شاب في العشرين ... ومات وعلى مكتبه رسالة وداد من صديقة بينها وبينه جواز سفر وباخرة وقطار، وكان في الرسالة موعد إلى لقاء ...! •••
قلت مرة للأستاذ الزيات صاحب «الرسالة» وبين الرافعي وأجله عام: هل لك في موضوع طريف عن الرافعي أنشره لقراء الرسالة؟ إن للرافعي في الحب لحديثا يلذ ويفيد ...
قال: ومن لي بهذا؟
Bilinmeyen sayfa