ولبى لرافعي دعوتنا بعد تمنع، وانتظمت الجماعة على رأي واحد إلى هدف واحد، فلما استكملنا الأهبة، دعونا الشباب المثقفين في طنطا إلى اجتماع عام في ناد كبير، وكان الرافعي من خطباء الاجتماع.
صعد الرافعي إلى المنصة، فوقف برهة يجيل نظره في ذلك الجمع الحاشد، ثم انطلق في خطبته.
وعلى أن الدعوة إلى الاجتماع كانت عامة، وعلى أن موضوعه هو الثقافة الإسلامية، فإنه لم يشهد هذا الاجتماع من شيوخ «الجامع الأحمدي» ومدرسيه غير ثلاثة من الشيوخ، وطائفة غير قليلة من المدرسين غير الشيوخ، ولم يفت الرافعي أن يلاحظ ذلك، فمال في خطبته إلى هذه الناحية، ينعى على شيوخ الأزهر أن يتجاهلوا واجبهم في مثل هذه الدعوة، وأن يؤثروا القعود على الجهاد! وكان فيما قاله: «إن أديبا كبيرا من وزراء الدولة قد قالها مرة منذ ثلاثين سنة: لو قعد حماري في الأزهر خمس عشرة سنة لخرج عالما! وما نحب أن يقولها اليوم أحد ليلحد في كفاية طائفة من أهل العلم والدين هم أكرم علينا ...!»
قالها الرافعي في حماسة وانفعال وفي لهجة خطابية ثائرة، فسمع المجتمعون همهمة عن يمينه وشماله، أما عن يمينه فكان الشيوخ الثلاثة قد آذاهم ما قال الرافعي، وأما عن الشمال فكان طائفة من المدرسين غير الشيوخ في الأزهر قد خافوا أن تؤول كلمة الرافعي تأويلا ينالهم بالشر من إخوانهم الأزهريين ...
وعلى أن الرافعي كان بريء الصدر فيما قال، وعلى أن الأزهريين كانوا يعلمون قبل غيرهم أن هواه معهم، وعلى أن صدر كلامه وخاتمته لم يكن ينبئ عن قصد الإساءة، فإن هذه الكلمة التي قالها قد أحدثت دويا بين الأزهريين تهدد الجماعة في نشأتها.
وسعى ساع إلى شيخ الجامع الأحمدي «المرحوم الأستاذ محمود الديناري» فأنبأه أن الرافعي قد قال في خطبته: «لو قعد حماري في الأزهر بضع سنين لخرج أعلم من شيخ الأزهر ...!»
وكتبها كاتب في رسالة خاصة إلى المرحوم الشيخ محمد الأحمدي الظواهري شيخ الجامع الأزهر ...!
وتسامع بها الشيوخ على ما حكاها الراوي فراحوا يتناولون الرافعي وجماعته بما وسعهم من التجريح في أعراضهم ودينهم ومقاصدهم، وقال قائل منهم، «وما حاجتنا إلى هذه الجماعة فيما تدعو إليه؟ لقد انتشر الإسلام ومد ظلاله في العالم على حد السيف، فما يغني غناءه في هذه الدعوى كاتب يكتب أو خطيب يخطب!»
وامتدت هذه المقالة الطائشة على لسان طائفة ...
وعرف الطلاب من الأمر ما عرفوا فأعلنت طائفة منهم الحرب، وسعت طائفة أخرى في وفد إلى مدير المديرية تطلب إليه أن يقمع هذه الفتنة بسلطانه، واصطبغت المشكلة صبغة سياسية؛ إذ كان للأزهريين يومئذ في السياسة دولة وسلطان.
Bilinmeyen sayfa