فهذا كان سبب إنشائه قصة «الطفولتان». •••
كان الرافعي يؤمن بالغيب إيمانا عميقا لا ينفذ إليه الشك، وكان له عن الشياطين والملائكة، وعن الوحي والإلهام، وعن تجاوب الأرواح في اليقظة والنوم، أحاديث ينكرها كثير من شباب هذا الجيل ... ... وكان له - إلى إيمانه وتدينه - نزوات بشرية تعقبها التوبة والندم، فكان أكثر وقته على تربص دائم من وسوسة الشيطان، فكان إذا مرت أمامه امرأة فأتبعها عينيه، أو سمع حديثا عن غائب فتعقبه بالحديث عن بعض شأنه أو ناله أحد بمساءة فردها إليه، استعاذ وحوقل، وقال: هذا من عمل الشيطان! وإذا همت نفسه بشيء تنكره المروءة، أو دعته داعية من هواه إلى ما يتحرج منه المؤمن، أو صرفه شأن من شئون الحياة عن واجب من واجبه، حمل نفسه على ما لا تحتمل، وأنكر على نفسه ما همت به أو دعت إليه أو انصرفت عنه، وذم الشيطان وتجنى عليه الذنب، وفي مقالته «دعابة إبليس» حديث يحقق هذا المعنى. ... فإني لمعه ذات مساء إذ جاءه البريد برسالة من آنسة في دمشق، ومعها صورتها مهداة إليه، تبثه لواعجها وأشجانها، وتشكو إليه أنها ... مفتقرة إلى رجل!
ونظر الرافعي إلى صورة الفتاة فأطال النظر، ووقف الشيطان بينه وبين الصورة يحاول أن يزيدها في وهمه حسنا إلى حسن، ويرسم له خطة ...
ثم وضع الصورة في غلافها وهو يقول: «أعوذ بالله من الشيطان ... أما إنه ...»
وقال شاب في المجلس: «وهل الشيطان إلا هوى النفس؟»
وقال الرافعي: «وهل تنكر؟»
وطال الجدل، ومضى الحديث في فنون ...
من هذا الحديث وهذه الحادثة كانت مقالة «الشيطان». •••
وكان لولده سامي زوج لم يدخل بها، وقد مرضت بذات الصدر بعدما سماها وعقد عليها، فأقامت زمنا في مصحة حلوان، ثم ارتدت إلى طنطا لتقيم بين أسرتها ما بقي، وزوجها حفي بها قائم على شئونها، ثم جاء أجلها، فدعي الرافعي ليراها، فجلس إلى جانبها لحظات وهي تحتضر، فكان له من هذا المجلس القصير مقالة «عروس تزف إلى قبرها!»
كنت ليلتئذ على موعد معه في القهوة، فظللت أنتظره ساعات، ولم يخلف الرافعي موعده معي مرة من قبل، فلما طال بي الانتظار مضيت لشأني، وفي الصباح جاءني نعي الفتاة فعرفت عذره، فلما كان العصر ذهبت في نفر من الأصحاب لتعزيته في دار صهره، والتمسناه فما وجدناه، وسألنا عنه فعرفنا أنه آب إلى داره بعد الجنازة لبعض شأنه، ولقيته بعدها، فعرفت أنه ترك المأتم والمعزين ليفرغ لكتابة مقاله قبل أن تذهب معانيه من نفسه!
Bilinmeyen sayfa