وهذا الاطمئنان يؤيده الواقع؛ فإن ما يرى الآن من عناية الغرب ببحث آثار الشرق، ومن عناية علمائه بدراسة الإسلام من نواحيه المختلفة ودراسة تاريخه وأممه قديما وحديثا، ومن إنصاف بعضهم للنبي، وما أيدته التجارب من أن الحق لا محالة غالب؛ كل ذلك يرشدنا إلى أن الإسلام سينشر لواءه على العالم وسيكون أشد الناس عداوة له اليوم هم أشد الناس غيرة عليه ودفاعا عنه، وسيكون هؤلاء الغرباء عنه هم أنصاره وأهله، وكما نصره أول أمره الغرباء عن البيئة التي نشأ فيها، فسينصره آخر الأمر الغرباء عن لغته ووطنه. وقد بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء!
وإذا كان النبي خاتم الأنبياء وليس للعالم بعده هاد مرشد، وكان دينه أكمل دين بنص الوحي القاطع، فلا يمكن أن يقف أمره على ما هو عليه الآن، ولا بد أن يمحو نوره نور غيره كما تمحو الشمس أضواء غيرها من الكواكب.
وقد وفق الدكتور في تنسيق الحوادث وربط بعضها ببعض ، فجاء كتابه عقدا منضدا وسلسلة متينة محكمة الحلقات. وقد أبدع في بيان الأسباب والأغراض والحكم بيانا قويا واضحا يجعل القارئ مطمئن النفس رضي القلب يستمتع بما يقرأ ويثلج صدره ببرد اليقين، فيملك عليه أمره، ويجبره على متابعة القراءة حتى يوفي على آخر ما بيده من البحث.
وفي الكتاب بحوث قيمة ليست من السيرة، ولكنها اتصلت بها بسبب الإسهاب في بيان أغراضها.
وأختم كلمتي هذه بقول سيد الخلق صلوات الله عليه وعلى آله الأطهار ومن اتبعه: «أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل علي غضبك، أو تحل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.»
15 من فبراير 1935
محمد مصطفى المراغي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
تقديم الكتاب
Bilinmeyen sayfa