Mesih'in Hayatı
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
Türler
كان العالم في عصر الميلاد محتاجا للعقيدة مستعدا لسماعها، ما في ذلك ريب، ولكنه مع هذه الحاجة، وهذا الاستعداد لم يكن خليقا أن يظفر بتلك العقيدة عفوا صفوا بغير جهاد من رسلها ودعاتها، وبغير كفاية عالية في أولئك الرسل والدعاة.
لم يكن احتياج العالم للعقيدة، ولا استعداده لسماعها مغنيا للعقيدة عن أدوات الفلاح والنجاح، وأولها قدرة الداعي على كسب النفوس، واجتذاب الأسماع، والغلبة على ما يقاومه من المكابرة والعناد.
وقد كانت هذه القدرة موفورة في معلم المسيحية، وبحق سمي المعلم ونودي به في مختلف المجامع والمحافل؛ لأن مهمته الكبرى كانت مهمة تعليم وإحياء روحي حيوي من طريق التعليم.
نودي المسيح بالمعلم فيما روته الأناجيل مرات؛ ناداه بهذا اللقب تلاميذه كما ناداه به خصومه، ومن يستمعون له غير متتلمذين وغير مخاصمين.
وكان نداؤهم له بهذا اللقب؛ لأنهم يجدون في كلامه علما واسعا بالكتب والأسفار، وبديهة حاضرة في الاستشهاد بها، والتعقيب عليها، ويكفي ما بين أيدينا من الأناجيل للجزم بأنه كان يرتل المزامير، وكان يحفظ كتب أرميا وأشعيا وحزقيال، فضلا عن الكتب الخمسة التي نسبت إلى موسى - عليه السلام - وفضلا عن اختلاف المذاهب في تطبيق الوصايا والأحكام.
ويرجح بعض المؤرخين أنه كان يعرف اليونانية، وأن الحديث الذي دار بينه وبين بيلاطس كان بهذه اللغة؛ لأن اليونانية كانت شائعة في عصره بين أبناء الجليل، وكان كثير من اليهود خارج الجليل لا يفهمون العبرانية ولا الآرامية، ويحتاجون إلى ترجمة الكتب المقدسة باللغة اليونانية، ومنهم من كان يحتاج إلى بيت المقدس في الأعياد، ومن أبناء الجليل اليهود من كانوا يسافرون إلى الإسكندرية وبلاد الإغريق، لا يتفاهمون بغير اليونانية مع أبناء جلدتهم هناك، فلا غرابة في معرفة السيد المسيح باليونانية، كما كان يعرفها الكثيرون من أبناء الجليل، ولكن المحقق أنه كان يعرف العبرية الفصحى التي تدرس بها كتب موسى والأنبياء، وأنه كان يعرف الآرامية التي كان يتكلمها كلام البلغاء، وأنه إذا عرف اليونانية فإنما كانت معرفته بها معرفة خطاب ولم تكن معرفة دراسة؛ لأن أقواله خلت من الإشارة إلى مصدر واحد من مصادر الثقافة المكتوبة بتلك اللغة، ولأن العبارات التي جاءت في الأناجيل اليونانية منسوبة إليه تشف عن أصلها الآرامي بما فيها من الجناس، أو من قواعد البلاغة، وإيقاع الألفاظ.
على أن هذا العلم كله بالثقافة الموسوية الإسرائيلية لم يكن فريدا بين أحبار اليهود في تلك الآونة، فربما كان في بيت المقدس يومئذ مئات من الكتبة والفريسيين حفظوا من تلك الكتب ما حفظ السيد المسيح، واقتدروا على الاستشهاد بها، والتعقيب عليها بعارضة قوية، وبديهة حاضرة، ولم تكن لواحد منهم كفاية المعلم الذي يبث الحياة الروحانية في النفوس، وينفث في الخواطر تلك الراحة التي تشبه راحة السريرة، حين تتناسق فيها الأنغام التي كانت متنافرة قبل أن تجمع وتصاغ.
لقد كانت اللغة التي حملت بشائر الدعوة الأولى لغة صاحبها بغير مشابهة، ولا مناظرة في القوة والنفاذ.
كانت لغة فذة في تركيب كلماتها ومفرداتها، فذة في بلاغتها وتصريف معانيها، فذة في طابعها الذي لا يشبهه طابع آخر في الكلام المسموع أو المكتوب، ولولا ذلك لما أخذ السامعون بها ذلك المأخذ المحبوب، مع غلبته القوية على الأذهان والقلوب.
كانت في تركيبها نمطا بين النثر المرسل والشعر المنظوم، فكانت فنا خاصا ملائما لدروس التعليم والتشويق، وحفز الذاكرة والخيال، وهو نمط من النظم لا يشبه نظم الأعاريض والتفعيلات التي نعرفها في اللغة العربية؛ لأن هذا النمط من النظم غير معروف في اللغة الآرامية ولا في اللغة العبرية، ولكنه أشبه ما يكون بأسلوب الفواصل المتقابلة والتصريعات المرددة التي ينتظرها السامع انتظاره للقافية، وإن كانت لا تتكرر بلفظها المعاد.
Bilinmeyen sayfa