Mesih'in Hayatı
حياة المسيح: في التاريخ وكشوف العصر الحديث
Türler
والطائفة السامرية خليط من اليهود والآشوريين، كانوا يقيمون في مملكة إسرائيل القديمة، يقال إنهم قبائل آشورية أرسلها ملوك بابل إلى فلسطين؛ ليسكنوها في أماكن القبائل اليهودية التي نفيت إلى ما بين النهرين، وسميت من أجل ذلك بسبايا بابل، ويقال إنهم اختلطوا باليهود الذين بقوا في بلادهم، ولم تحملهم الدولة البابلية إلى بلادها مع القبائل المسبية، فوقع من هذا الاختلاط في السكن والنسب اختلاط في العادات والعبادات، وعاد اليهود الذين رجعوا من السبي بعد سقوط بابل فأنكروا من السامريين شعائرهم المخالفة لتقاليدهم واتهموهم بعبادة الأوثان، ورفضوا مشاركتهم في بناء الهيكل الجديد، فعمد السامريون إلى بناء هيكل خاص لهم في جرزيم، وجعلوا يتعمدون أن يدنسوا هيكل بيت المقدس، ويحصروا القبلة في هيكلهم ومثابة حجهم وعبادتهم، وقد بقي منافسا لهيكل بيت المقدس زهاء مائتي سنة، حتى هدمه رئيس كهان بيت المقدس حناهير كانوس قبل الميلاد بأكثر من مائة سنة، ولكنهم أعادوا بناءه، وظل قائما حتى هدمه الرومان بعد ثورة السامريين في القرن الخامس للميلاد، وقد هدم فسباسيان مدينتهم، وأقام على أنقاضها مدينة سماها المدينة الجديدة «نيوبوليس» أو نابلس المعروفة اليوم، ولا تزال بقايا السامريين تحتفظ بتقاليدها، وتعتمد على نسخة التوراة المكتوبة بلغتها، ولا تعترف بكتاب بعد الكتب الخمسة التي تعرف بالكتب الموسوية، ولا تدين بعاصمة مقدسة غير موطن هيكلها المهدوم جرزيم، وقد استحكم العداء بين أصحاب الهيكلين في عصر الميلاد حتى بطل الأمان في السفر بين السامرة والبلاد الأخرى، وتعرض للإهانة والنكال كل من خاطر بالسفر إلى السامرة من يهود الجنوب أو الشمال. •••
ومن المحقق أن هؤلاء السامريين كان لهم شأن في تطور الفكرة المسيحية، أو فكرة الخلاص المنتظر على يد الرسول الموعود، ويرجع شأنهم هذا إلى النزاع القديم بين مملكة يهوذا في الجنوب ومملكة إسرائيل التي ورثها السامريون، وهم ينتسبون إلى يعقوب، ويدعون أنهم - دون غيرهم - الجديرون باسم «الإسرائيليين».
فإذا اعتقد أصحاب مملكة يهودا في الجنوب أن عاصمتهم - بيت المقدس - هي مقر الملك المنتظر، وأن هذا الملك المنتظر سيكون من سلالة داود، فهذا الاعتقاد يرضيهم ويرد المجد إلى دولتهم، ويجعل الخلاص على أيديهم، ولكن السامريين أبناء الشمال كانوا يلجون في عدائهم لداود وذريته، ويثيرون النزاع القديم بين الأسباط، وينكرون على الأقل عقيدة الخلاص على يدي ملك من أسرة الملك في يهودا، ويفتحون بذلك السبيل إلى الإيمان بالخلاص الروحاني والهداية الشعبية، ويزعزعون الثقة في أحبار الهيكل الجنوبي، وفيمن عسى أن يبايعوه بالملك، إذا حان الموعد المقدور.
ولم تخل البلاد جميعا - مع هذا - من ناس هنا وهناك يئسوا من جميع الطوائف والنحل، واعتزلوا الدنيا، وعاشوا في الصوامع بمعزل عن العمران، وارتفع شأنهم في أعين الشعب؛ لسوء ظنه بالدعاة المغامسين للدنيا في بيئات الساسة والكهان، ومن هؤلاء «بانوس» الذي تتلمذ عليه يوسفيوس المؤرخ الكبير ثلاث سنوات، وكان هذا الناسك الثائر يعيش في عزلة، ويأكل مما يتفق له بغير سعي ولا مسألة، ويكثر من التطهر بالماء، والتزكي بالرياضة والتلاوة، وكان على مثال بانوس نساك متعددون يشبهونه في شعائر الاعتزال والاغتسال، وأشهرهم يحيى المغتسل المعروف في الأناجيل باسم: يوحنا المعمدان!
أما موقف الهيكل من هذه الطوائف والفرق فهو الموقف «الرسمي» المعهود، أو موقف المسئولين الذين يحاولون أن يتجنبوا التحيز لهذا أو لذاك، ويجتهدون غاية اجتهادهم أن يكسبوا ثقة الشعب، ولا يغضبوا سلطان الدولة، وقلما يتيسر النجاح في هذه المهمة، ولا سيما في أوقات القلق والتطلع والتبرم بكل موجود.
كان الهيكل خيمة في عهد البداوة، وكان الشعب يعتقد قديما أن الله يتجلى في هذه الخيمة للأنبياء والكهان، ثم بنيت الخيمة من خشب يفك وينقل في أيام التيه، ثم أقام سليمان الحكيم هيكله بديلا من الخيمة والمعبد الخشبي، وقيل إنه أنفق على بنائه مائة ألف وزنة من الذهب، وألف ألف وزنة من الفضة، غير ما جمعه أسلافه وأعقابه، وبلغت تكاليف بنائه بحساب أيامنا الحاضرة نصف مليار من الجنيهات ، وضعف ذلك في حساب الآخرين، حسب تقدير المثقال في المعاملات الرسمية وغير الرسمية، وعظمت هيبة الهيكل، وارتفعت أقدار كهانه وأحباره ردحا من الزمن، ثم هدمه البابليون بعد أن قام في مجده أكثر من أربعة قرون، ثم أمر كورش الفارسي بإعادة بنائه في سنة 536 قبل الميلاد، وجاء الملك هيرود بعد خمسة قرون فجدد بناءه وأضاف إليه، وتم ذلك أو كاد في عصر الميلاد.
لكن الهيكل بعد تقلب العصور، وسيطرة الدولة على مناصب الكهانة، خسر من المكانة بمقدار ما كسب من الفخامة، وبدأ عصر الميلاد وسلطان الهيكل يتداعى في الحقيقة الواقعة، ويتمكن في الصورة الظاهرة؛ يتداعى لأنه يقوم على غير ثقة، ويتمكن لأنه كان الموئل الوحيد الذي بقي لقومه بعد زوال ملكهم واليأس من إعادة ذلك الملك، مع غلبة الرومان على المشرق والمغرب في عصر الميلاد. •••
وقد كانت وظائف الهيكل كلها محصورة في أصحاب الكهانة، وهي وظيفة دينية كانت موقوفة على سلالة هارون أو قبيلته، يتولاها غيرهم من أسباط اليهود، ومن أعمالهم في الهيكل إمامة الصلاة، والإفتاء في مسائل الفقه، وتقديم الذبائح، والخدمة الدينية في الأعراس والمآتم، والعناية بالآنية المقدسة، وقد تزايد عددهم مع الزمن حتى قيل: إن القائد رزبابل (أي المولود في بابل) كان معه عند عودته من البلاد البابلية نحو أربعة آلاف وثلاثمائة كاهن غير السابقين والمتخلفين، ولهذا كانوا يقسمونهم إلى فرق، تقوم كل فرقة منها بالخدمة أياما من الشهر، ويقتسمون جميعا في النذور والمرتبات.
ولما تطاول الزمن وتكاثرت ذرية هارون، وجد منهم ألوف بغير علم وبغير عمل، يتعاطون صناعة الكهانة، ويقتسمون النذور، ولا يشتركون في تعليم الشعب، ولا في إقامة الصلوات، ووجد إلى جانبهم أناس يعرفون الكتابة، ويسجلون الأسفار الدينية، ولا نصيب لهم من وظائف الهيكل ولا نذوره وأوقافه، وهؤلاء هم جماعة «الكتبة» أو فقهاء الدين، وكانوا جميعا من الفريسيين؛ لأنهم هم الذين يقبلون الأسفار الحديثة، ويعتمدون عليها في العبادات والمعاملات، خلافا للصدوقيين الذين كانوا - كما تقدم - يقصرون تلاوتهم على الكتب الموسوية الخمسة، ويرفضون كتب الأديان من بعدها، ولا يعتمدون من ثم على جماعة الكتبة والفقهاء.
فلما جاء عصر الميلاد كان كثير من الكهان يشتركون في صناعة الكهانة، ولكنهم لا يعملون في الهيكل، وكان كثير من الكتبة والفقهاء يشتركون في العلوم الدينية، ولكنهم لا يحسبون من رؤسائه الوراثيين، وشاع بين الشعب إهمال الكهان في المسائل الدينية التي تحتاج إلى التعليم والإفتاء على الخصوص، وشاع بين الشعب كذلك الإقبال على العلماء «غير الوراثيين أو غير الرسميين» لسؤالهم في المعضلات، والاقتداء بهم في مسالك الحياة، فأصيبت المكانة «التقليدية» بضربة قوية، وانفسح الطريق للدعوة الدينية غير مصحوبة بالمراسم «الكهنوتية»، والشعائر «الهيكلية» على الخصوص.
Bilinmeyen sayfa