47

Yeni Havva

حواء الجديدة

Türler

دخلت فدهشت إذ وجدت أمي حاضنة طفلتي وعيناها مقرحتان، فانطرحت عند قدميها أبلهما بدموعي قائلة: أماه! إن العالم كله يعاديني وينتقم مني؛ لأني أذنبت ذنبا لم يؤذ به أحد سواي، فهل لي منك رحمة لا أستحقها؟

فقبلتني قبلة شعرت أنها باردة، ولكني لا أدري إن كانت بالحقيقة هكذا، أو أن يأسي أوهمني أنها كذلك، قالت: اجلسي يا بنيتي لنبحث في أمرك.

فجلست وقد تجسم الرجاء أمامي، وقلت: عسى أن تكوني قد أتيت إلي بما ينفس كربي يا أماه. - أتيت إليك بالرغم من رضاء أخيك؛ لأنه يخجل أن يعرفك. - ويلاه أيشارك أخي سائر الناس في الحكم علي؟ - أنسيت يا إيفون أنك ربيت في بيت أساسه الفضيلة وجدرانه التقوى، فكيف لا نقفل بابنا في وجه العار الهاجم علينا بسبب جرمك العظيم! من كان يظن أن فلانة ابنة فلان ربيبة الفضيلة والأدب والتقى تفر من بين أهلها؛ لتبذل عفافها في مرقد الدنس، لم نعد نستطيع أن نرفع أعيننا إلى الناس من الخجل والحياء، وأخوك لم يعد يجسر أن يلتمس من المسيو (...) يد ابنته؛ لأنه لم يعد يتوقع إلا الخزي بسببك.

فتململت وتنهدت وقلت غاصة بكل لفظة: أماه لا تدينيني فقد دنت نفسي، وحكمت على نفسي وحسبي ما أقاسيه من أساي وشقائي، الآن وقت الرحمة فارحميني بأي فرج أتيتني؟ - قولي لي أولا على أي حال تركك ذلك النذل؟ - تركني إلى الأبد بلا رحمة ولا شفقة. - كنت أستقصي أخبارك فأعلم أنه كان يجتهد في إقناع أهله أن يقترن بك اقترانا شرعيا؛ ولهذا آثرنا إهمالك لكي يعلم هو وأهله أنهم ملزمون بك، وقد استخدمنا كل الوسائل الممكنة لاسترضائهم فلم نفلح؛ لأن أباه كان يرفض كل الرفض قرانكما لاعتباره إياك دنسة لا تليقين أن تكوني كنة له. - ويلاه ما أشقى الفتاة؟ أليس ابنه مدنسي وشريكي في دنسي؟ فهل برأه؟ - ألا تعلمين يا ابنتي أن هذا الدنس لا يلصق منه شيء بالشاب إلا إلى حين قصير؟ فقد تناسى الناس عمل ذلك الخئون، وعاد يطوف في بيوتهم ينتخب زوجة منها، وكلهم يتمنون أن يزوجوه! - لم أكن أعلم ذلك من قبل يا أمي فلا أدري من ألوم على جهلي هذا، ومع ذلك لا أظن أن أهله وحدهم السبب في تركي، فقد كان في وسع ذلك الغادر أن يعصاهم لأجل من غرر بها، وبنى لها من الوعود قصورا وعلالي. - لا ريب أنه نذل، خاف من تهديد أبيه أن يحرمه نصيبه من ميراثه الطائل. - إنه جبان، كنت حديثة جاهلة لا أفهم إلى أين أصل، والآن لات ساعة مندم، فماذا ترين الآن يا أمي؟ - فاوضت أخاك طويلا بأمرك فوعد أن يمدك بالمال على قدر طاقته، وإذا شئت أن تعملي عملا تستفيدين منه لمعيشتك، فضعي طفلتك هذه عندنا فأربيها، وأنت تكونين مطلقة اليدين للعمل. - إذن لا يقبلني أخي في منزله! - ليته يقدر يا ابنتي! فإنه مضطر أن يتزوج ووجودك في بيته عقبة في سبيل زواجه، وإن تسامح مصاهروه بذلك، فأنت لا تستطيعين احتمال إمرة زوجته عليك، ولا تأمنين أنها تجرح عواطفك حينا بعد آخر مهما كانت طيبة القلب ورقيقة العواطف، فالأفضل أن تعيشي مستقلة ونحن لا نضن عليك بكل ما نستطيعه من إمدادك بالنقود. - ويلاه حتى أهلي يتحاشونني ويخافون أن يتدنسوا بدنسي؟ ألأجل زلة واحدة أسام كل هذا الهوان؟ ويلاه! أوحدي أنا أثيمة والناس كلهم أبرار؟

وطفقت وأمي نبكي البكاء المر، وبعد هنيهة قالت: صبرا يا بنيتي صبرا، ليكن الله معك، إن ما ارتأيناه بشأنك حسن لك. - لا لا، لا أكلفك وأخي شيئا يا أماه، الله يدبرني.

عند ذلك أخرجت أمي من جيبها بضع جنيهات، ودفعتها لي فلم أمدد لها يدا فوضعتها على المقعد إلى جانبي، ثم قالت: متى تريدين أن آخذ الطفلة؟ أو تريدين أن تبقيها معك إلى أن تفطم. - لن أفارق ابنتي يا أماه، ورزقي على الله. - لا تيأسي يا ابنتي، إني أمك، أبقى لك كل حياتي، ليكن الله معك، أودعك إلى حين قريب.

ثم نهضت ونفحت الخادمة جنيها، وقالت لها: ألا تحبين سيدتك؟ ساعديها يا بنيتي وسريها.

ثم خرجت وتركت مهجتي تتردد بين ترقوتي، وجعلت أفكر فيما آلت إليه حالي فصغرت الحياة في عيني، ولكني ما عتمت أن استرددت أنفتي واستنجدت بتجلدي، فأخذت ورقة وكتبت:

سيدتي الأم الحنون

أعيد إليك مع خادمتي الجنيهات التي تركتها هنا، إني إلى الآن في غنى عنها ولي الأمل أن لا أكلف أخي شيئا بشأني، أقبل يديك ويدي أخي. (...)

Bilinmeyen sayfa