في ذلك المساء كتبت لها من الإسكندرية كتابا مطولا أفرغت فيه كل إحساساتي وعواطفي، فأجابتني جوابا مختصرا وصلني في مساء اليوم التالي، وفيه خلاصة روحها.
وفي ذلك المساء كتبت جوابا مطولا أيضا رسمت فيه قلبي، وسكبت مهجتي وشرحت كل عواطفي، وفي مساء الثالث عدت إلى مصر، فوجدت عمي ينتظرني في المحطة؛ لكي يستطلعني أخباري ويعلم ما فعلته بشأن المهمة التي سافرت لأجلها، شغلني في تلك السهرة عن إيفون فلم يتسن لي أن أزورها.
في صباح اليوم التالي ذهبت إلى منزلها، فاستقبلني البواب برسالة منها كانت قضاء مبرما على سعادتي، ناولني الرسالة قائلا: «من مدموازيل إيفون»، فتناولتها ويداي ترتجفان؛ لأني تشاءمت منها كأن ضميري أنذرني أنها تنطوي على شر لي فسألته، وأنا أفضها: «أما هي في المنزل؟»، فأجاب: «انتقلت إلى منزل آخر.»
وكنت حينئذ قد بسطت الرسالة، فقرأتها وأنا أقشعر وها هي:
عزيزي موريس
إني أنصح لك ألا تبحث عني بعد الآن، والأفضل أن تنسى إيفون مونار فإن ما يتراءى لك من السرور في صلتك بها إنما هو وقتي جدا، ولكن الكدر الذي يمازج حياتك بعده يدوم، فلا تكن لي يا موريس بعد الآن؛ لأني لم أعد لك.
إيفون مونار
فما أتيت على آخر هذه الرسالة حتى جعلت عضلاتي تتشنج، وكدت أطحن أضراسي بعضها ببعض. وهت قوتي فجلست على كرسي البواب، وقلت: أين ذهبت إيفون؟ - أمس نقلت كل أثاثها إلى منزل آخر لا أدري أين هو. - ألم تسأل خادمها البربري؟ - سألته فقال: «إلى منزل قريب من الأزبكية»، ولكنه لم يوضح لي كفاية. - ألم تقل إيفون لك شيئا؟ - قالت قبل أن برحت: «احفظ هذا الكتاب معك إلى أن يأتي المسيو موريس وادفعه له يدا بيد.» - متى برحت؟ - مساء أمس. - هل كان الأمير عندها أول أمس؟ - منذ ثلاثة أيام لم يعد يأتي.
فلاح لي أن أمرا جرى بينها وبين الأمير فساقني الإلهام إلى قصره، وهناك سألت البواب عنه فقال: إنه برح إلى الإسكندرية منذ ثلاثة أيام لشاغل، ولم يعد بعد فتغير ظني.
اندفعت كالمجنون إلى حي الأزبكية، ولكن أين أبحث وكيف أفتش، ثبت إلى رشدي وقعدت في زاوية من نيوبار أعيد قراءة الرسالة، وأغتم حتى كادت نفسي تنبثق من صدري، حرت ماذا أفعل فلم أر أفضل من أن أرسل إليها رسالة في البريد، فلا بد أن تكون قد أخبرت إدارته عن عنوانها الجديد فكتبت:
Bilinmeyen sayfa