وكان مدار مهام هذه البلدة يطلبه بالتأكيد الأكيد، فاستقر رأيه على السفر؛ فسافر إلى هذه البلدة في أوائل جمادى الثانية سنة (1284) أربع وثمانين، ووصل هاهنا في شهر شعبان؛ فسر بقدومه كل صغير وكبير، وفرح بمجيئه كل أمير وفقير، وتوجه إلى فصل الخصومات الذي هو أربح البضاعات، واشتغل بانتظام العدالة النظامية بغاية الاهتمام.
لكنه لم يهمله الزمان، وأدركه الأوان، فياحستراه ووامصيبتاه، والله لو طال عمره لانتفع منه أرباب المعاملات والعبادات، ونبع منه عين الطاعات والحكومات.
وكان انتقاله رحمه الله من هذه الدار على النمط العجيب، والطور الغريب، رأى في ذي القعدة من السنة المذكورة، وهو صحيح لا مرض له، كأنه جالس في دار العدالة، ويقول: سيقبض روحي ملك الفوت، فلما أصبح ذكر هذه الرؤيا، وقال: لعل وفاتي قريب، أخبرني الله تعالى به في عالم الرؤيا؛ فمرض مرض الموت من الصفر المظفر من السنة الحاضرة، واشتد مرضه بكرة وعشيا، وكان ذلك أمرا مقضيا.
ورأى في آخر جمادى الأولى كأن قائلا يقول: {كل نفس ذائقة الموت}(1)، إخبارا عن الفوت.
Sayfa 38