الشارح: كما إذا أخبر عدل بحكم وآخر بنقيضه، أو لظهور خلاف المظنون، كما إذا ظن أن زيدا في الدار، لكون مركبه وخدمه ببابها، ثم شوهد خارجها.
وأما غير أئمتنا: فالمعتزلة قالوا: النظر يولد العلم، كتوليد حركة اليد لحركة المفتاح عندهم، وعلى وزانه يقال: الظن الحاصل متولد عن النظر عندهم وإن لم يجب عنه. وقوله: عقيبه بالياء لغة قليلة، جرت على الألسنة، والكثير ترك الياء، كما ذكره النووي في تحريره.
المحشي: إذ لو كان بينه وبين أمر ذلك، لم يمكن زواله مع بقاء سببه، وأنت خبير بأن زواله بعد حصوله عند الناظر، لا يمنع حصوله لزوما أو عادة، ولا ريب أن النتيجة لازمة للمقدمتين، ظنيتين كانتا أو قطعيتين، كما هو مقرر في محله.
قوله: «فالمعتزلة قالوا النظر يولد العلم» معنى التوليد عندهم أن يوجب فعل لفاعله فعلا آخر كحركة اليد، وحركة المفتاح، فإن حركة اليد أوجبت لفاعلها حركة المفتاح، فكلتاهما صادرتان عنه، الأولى بالمباشرة والثانية بالتوليد.
قوله: «وإن لم يجب عنه» بناه على ما قرره من أنه لا لزوم بين الظن والنظر وقد عرفت ما فيه.
تعريف الحد
صاحب المتن: والحد: الجامع المانع، ويقال: المطرد المنعكس.
الشارح: «والحد» عند الأصوليين ما يميز الشيء عما عداه، كالمعرف عند المناطقة. ولا يميز كذلك إلا ما لا يخرج عنه شيء من أفراد المحدود، ولا يدخل فيه شيء من غيرها، والأول مبين لمفهوم الحد، والثاني لخاصته، وهو بمعنى قول المصنف كالقاضي أبي بكر الباقلاني الحد «الجامع» أي لإفراد المحدود «المانع» ...
المحشي: قوله: «ما يميز الشيء» إلى آخره أي قول «يميز الشيء عما عداه» وهو المراد بقوله بعد «والأول مبين لمفهوم الحد» أي فهو حد حقيقي للحد عند الأصوليين، لأنه مبين لمفهومه وحقيقته، سواء ميز بالذاتيات أم بالعرضيات، وقوله: «ما لا .. » أي قول «لا يخرج عنه شيء» إلى آخره.
الشارح: أي من دخول غيرها فيه «يقال» أيضا الحد «المطرد» أي الذي كلما وجد وجد المحدود، فلا يدخل فيه شيء من غير أفراد المحدود، فيكون مانعا. «المنعكس» أي الذي كلما وجد المحدود وجد هو، فلا يخرج عنه شيء من أفراد المحدود، فيكون جامعا، فمؤدى العبارتين واحد، والأولى أوضح، فتصدقان على الحيوان الناطق حدا للإنسان، بخلاف حده بالحيوان الكاتب بالفعل فإنه غير جامع وغير منعكس، وبالحيوان الماشي فإنه غير مانع وغير مطرد، وتفسير المنعكس المراد به عكس المراد بالمطرد - بما ذكر- المأخوذ من العضد، الموافق في إطلاق العكس عليه للعرف، حيث يقال: كل إنسان ناطق وبالعكس، وكل إنسان حيوان ولا عكس، أظهر في المراد - أي معنى الجامع-
المحشي: وهو المراد بقوله بعد «والثاني مبين لخاصته» أي فهو حد رسمي للحد، لأنه مبين لخاصته، وآثاره، ونبه بقوله: «فيكون مانعا» على أن المنع ليس عين الاطراد كما قيل به، بل لازم له.
وبقوله: «فيكون جامعا» على أن الجمع ليس عين الانعكاس كما قيل به بل لازم له.
قوله: «وتفسير المنعكس» مبتدأ خبره قوله بعد «أظهر في المراد» «من تفسير ابن الحاجب» و«المراد» صفة المنعكس.
الشارح: من تفسير ابن الحاجب وغيره: بأنه كلما انتفى الحد انتفى المحدود، اللازم لذلك التفسير، نظرا إلى أن الانعكاس التلازم في الانتفاء، كالاطراد التلازم في الثبوت.
المحشي: و«بما ذكر» متعلق بتفسير و«المأخوذ» و«الموافق» بالرفع صفتان ل «تفسير»، وبالجر صفتان ل «ما ذكر». وقوله: «للعرف» الخ أي واللغة، حيث قالا عكس القضية الأولى مما قاله الموافقة لما نحن فيه موجبة كلية، والثاني منه لا عكس لها، بخلاف العكس باصطلاح المنطقي بقسميه عكس النقيض، وعكس المستوي، فإنه ليس كذلك، أما عكس النقيض فظاهر، وأما عكس المستوي فهو في كل موجبة كلية.
Sayfa 39