الشارح: وكون المراد بالأحكام جميعها، لا ينافيه قول مالك - من أكابر الفقهاء - في ست وثلاثين مسألة، من أربعين سئل عنها: لا أدري، لأنه متهيئ للعلم بأحكامها، بمعاودة النظر، واطلاق العلم على مثل هذا التهيؤ شائع عرفا. يقال: فلان يعلم النحو، ولا يراد أن جميع مسائله حاضرة عنده على التفصيل، بل إنه متهيئ لذلك. وما قيل: من أن الأحكام الشرعية قيد واحد، جمع الحكم الشرعي المعرف بخطاب الله الآتي، فخلاف الظاهر، وإن آل إلى ما تقدم في شرح كونهما قيدين كما لا يخفى.
المحشي: قوله: «لا ينافيه قول مالك» إلى آخره، هو المشهور، وروى ابن عبدالبر في مقدمة التمهيد أنه سئل عن ثمان وأربعين، مسألة فقال في ثنتين وثلاثين منها: لا أدري. قوله: «بل إنه متهيئ لذلك» أي بأن تكون له ملكة يقتدر بها على إدراك جزئيات الأحكام. قوله: «فخلاف الظاهر» أي بل الظاهر أنهما قيدان كما مر في كلامه ما يشير إليه، وليس لهذا كبير فائدة.
صاحب المتن: خطاب الله المتعلق بفعل المكلف من حيث إنه مكلف.
الشارح: «والحكم» المتعارف بين الأصوليين بالإثبات تارة والنفي أخرى.
«خطاب الله» أي كلامه النفسي الأزلي، المسمى في الأزل خطابا حقيقة على الأصح، كما سيأتي.
المحشي: قوله «المتعارف بين الأصوليين» أشار به إلى إخراج خطاب الوضع كما ذكره بعد، وإلى أن المصنف إنما ذكر تعريف الحكم وأقسامه هنا، لما مر من أن تصورها من المقدمات، التي يتوقف عليها المقصود بالذات، إذ الأصولي يثبتها تارة وينفيها أخرى، لا لكونه ذكر الحكم في تعريف الفقه قبيله، لأن ذاك يقتضي أن الحكم في المحلين واحد كما توهمه جماعة، وليس كذلك، بل الذي عرفه كغيره هنا هو: «الحكم المتعارف بين الأصوليين وهو خطاب الله» إلى آخره، والحكم المأخوذ في تعريف الفقه ليس خطابا، بل ما يثبت به من وجوب وحرمة وغيرهما، إن نظر إليه مقيدا بما بعده، وإلا فهو ثبوت أمر لآخر إيجابا أو سلبا كما مر.
قوله: «خطاب الله أي كلامه النفسي الأزلي» الخطاب لغة: توجيه الكلام نحو الغير للإفهام ثم نقل إلى ما يقع به التخاطب، والمراد هنا ما فسر به الشارح.
الشارح: «المتعلق بفعل المكلف» أي البالغ العاقل تعلقا معنويا قبل وجوده كما سيأتي، وتنجيزيا بعد وجوده بعد البعثة، إذ لا حكم قبلها كما سيأتي.
المحشي: قوله: «المسمى في الأزل خطابا حقيقة على الأصح» أشار به إلى أن تفسير خطاب الله بكلامه النفسي الأزلي، مبني على ذلك، إما على مقابله، فيفسر الخطاب بالكلام الموجه للإفهام، أو الكلام المقصود منه إفهام من هو متهيئ لفهمه.
قوله: «أي البالغ العاقل» عدل كالأصفهاني إلى تفسير المكلف بهذا، عن تفسيره بمن تعلق به حكم الشرع، لئلا يلزم الدور. تعلق به حكم الشرع، لئلا يلزم الدور.
قوله: «قبل وجوده» أي وكذا بعد وجوده قبل البعثة.
الشارح: «من حيث إنه مكلف» أي ملزم ما فيه كلفة، كما يعلم مما سيأتي، فتناول الفعل القلبي الاعتقادي وغيره، والقولي وغيره والكف، والمكلف واحد كالنبي صلى الله عليه وسلم في خصائصه، والأكثر من الواحد، والمتعلق بأوجه التعلق الثلاثة من الاقتضاء والجازم، وغير الجازم، والتخيير الآتية، لتناول حيثية التكليف للأخيرين منها، كالأول الظاهر، فإنه لو لا وجود التكليف لم يوجدا. ألا ترى إلى انتفائهما قبل البعثة، كانتفاء التكليف ثم الخطاب المذكور، يدل عليه الكتاب والسنة وغيرهما.
Sayfa 16