Felsefi Hasat
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Türler
Chaos . بالتخلي عن القانون، والتخلي عن العدل، ستعود الجماعة إلى الأخوة والحب المتبادل.»
29
نجد فكرة الحب أيضا من الأفكار الأساسية عند عدد كبير من فلاسفة العصر الحاضر، ومن أهمهم فيلسوف القيم ماكس شيلر (1874-1928م) الذي أكد بأخلاقه المادية - في مقابل الأخلاق الصورية عند كانط - الجانب الانفعالي والوجداني في الإنسان، وقد كان للمنهج الفينومينولوجي تأثير بالغ في تحليلاته للانفعالات النفسية مفضلا منطق القلب الذي دعا إليه باسكال.
تبدو الحياة في الزمن الحاضر في كل النماذج السابقة غير محققة لرغباتنا ولا معبرة عن وعينا الصحيح بالزمن. فإذا كنا لا نستطيع إيقاف اللحظة، فما فائدة العيش فيها؟ وما فائدة العيش في المستقبل إذا كان يأتي أحيانا مخالفا التصورات المحددة له سلفا؟ وما فائدة العيش من أجل قيم أخلاقية جامدة وصارمة إذا كانت تطيح بكل المتع بعيدا عنا، وتجعلنا معلقين بقيم نكتفي بالتطلع إليها دون العيش الحقيقي فيها؟ ثم ما فائدة الاعتقاد بوهم أننا مشاركون في عالم القيم الأبدية من خلال الحب؟ ألا يمكن أن يكون هذا الحب مجرد وهم من اختراعنا؟ كيف إذن نحيا زمن الحاضر إذا كنا لا ننتمي إلى أي عالم آخر، بل نحن قوة دافعة في هذا العالم الذي وجدنا فيه؟ هل يكون الحل هو الموقف الذي قدمه برجسون وعبر عنه بمفهومه عن الديمومة بمعنى التدفق الدائم للزمان في مجرى الحياة الباطنة، أي زمن التجربة الحية وهو الزمان النفسي والكيفي المدرك بالحدس؟ وهل الديمومة - التي هي في مفهوم برجسون تقدم مستمر للماضي، ونفاذ له في المستقبل. أي أنها امتداد الماضي في الحاضر، واختراق هذا الأخير في المستقبل - هي اتصال وتواصل بين أبعاد الزمن، ويتحقق فيها الجديد دوما، كما يؤكد برجسون «كلما تعمقنا في فحص طبيعة الزمن فهمنا أن الديمومة تدل على الاختراع وخلق الصور، والإعداد المستمر للجديد على وجه الإطلاق»،
30
أتكون الديمومة بهذا هي الحل السحري لمشكلة الزمن الحاضر، وتكون موقفا من الزمان يختلف تمام الاختلاف عن المواقف السابقة؟
يبدو أننا ما زلنا بعيدين عن الحل الأمثل لتجربة الزمن في الحاضر، فلا هو العيش في اللحظة وحدها، ولا هو العيش في المستقبل فحسب، ولا في الأخلاق المنظمة، ولا في الأمل المشارك في مملكة سماوية، ولا في الديمومة الخالصة التي تنحصر في النهاية في الزمان النفسي. مع اليقين بأننا كأنماط بشرية متفردة يمكن أن نعيش في حاضرنا بكل هذه اللحظات السابقة بدرجات متفاوتة، تماما كما تعيش الشعوب أيضا حاضرها - كأنماط ثقافية متنوعة - أزمانا مختلفة، ولكننا ونحن نسعى للوصول إلى التجربة الصحيحة للعيش في الزمن الحاضر ينبغي علينا ألا نغفل الجوانب النفسية للتوجه الزمني. فمن الناحية النفسية يمكن النظر إلى الزمان بمستويات مختلفة؛ لأن مشكلة الزمان التاريخي ليست هي الوعي بالزمان فحسب، فالتوجه أو التكوين النفسي للشخصية يحدد التوجه ناحية أحد أبعاد الزمن وهي الماضي أو الحاضر أو المستقبل التي غالبا ما يحكمها التغيرات التي تطرأ على الشخصية. «فالشخص العصابي - على سبيل المثال - يتوجه غالبا ناحية الماضي في كل أفعاله ويعيش فيه. وبطبيعة الحال لا نشير هنا إلى التوجه للماضي الناتج عن اهتمام الشخص بالتاريخ، فهذا شيء مختلف تماما، بل وضروري لتحديد وضع الفرد بين الماضي والمستقبل. كما أن الانصراف إلى الاهتمام بالحاضر فحسب غالبا ما يعوق تطور الشخصية، ويؤدي إلى تغيرات سلبية نتيجة عدم استخدامها - أي الشخصية - لكل إمكانياتها مما يعرضها للتدمير وفقا للمبدأ القائل بأن العضو غير المستخدم يذبل ويذوي. ومع ذلك فإن التوجه للحاضر ليس دائما ميلا أو مزاجا شخصيا، ولكنه في أحيان أخرى يكون توجه مجتمع بأكمله، كما نجد في المجتمعات الصناعية الكبيرة التي تمارس ضغوطا قوية على شعوبها - من خلال نظام التعليم أو وسائل الإعلام - لتنفيذ سياستها الرأسمالية، وإثارة شهوة النزعة الاستهلاكية في حاضر مجتمعاتها أو في الهنا والآن. وهكذا تظهر التغيرات الإيجابية للشخصية فقط عند الاتجاه نحو المستقبل.»
31
هنا قد يلوح الحل الأمثل للتوجه الصحيح نحو الزمن الحاضر، وبمعنى أكثر دقة عندما يعيش الشخص بشكل مؤقت في الماضي أو الحاضر في الوقت الذي يهيمن عليه الاتجاه ناحية المستقبل.
إذا ما عدنا أدراجنا إلى بداية هذا البحث لمناقشة أصحاب التيار الأول (في ضوء ما توصلنا إليه من حل لإشكالية التعامل مع الزمن الحاضر)، وتفنيد دعوتهم للعودة إلى الجذور، فهل تصدق دعواهم التي تجتر الماضي وتتوهم سعادة العيش فيه والاكتفاء به، وتتصور خطأ أن هذا وحده هو الزمان الحقيقي؟ وهل تصدق دعوى التيار الثاني الذي يتطلع للمستقبل مطالبا بقطع كل الجسور مع الماضي؟ من كل ما سبق يتضح زيف الدعوتين وافتقارهما معا للوعي التاريخي بزمن الحاضر. فلا يمكن بطبيعة الحال الالتفات إلى الماضي، واعتباره حاضرا أبديا، فنحيا في واقع لا زماني. كما يستحيل بنفس القدر أن نقطع كل الخيوط مع الماضي؛ لأنه - أي الماضي - حي ولا يزال حيا بيننا على نحو ما ، حتى وإن لم تلحظه عين الراصد لحركة الواقع.
Bilinmeyen sayfa