Felsefi Hasat
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Türler
والزمان في سياقه الواقعي لا يمكن أن نفصله عن بنية الحياة الاجتماعية؛ ولذلك فهو يتميز بالانفصال وعدم التجانس حتى بين لحظاته المتزامنة أو المتعاصرة، بحيث نجد مستويات وصورا مختلفة للتزامن من النواحي التقنية والاقتصادية والاجتماعية والروحية تنطوي في ذاتها على صور أخرى من عدم التزامن، ولتوضيح هذا يمكن أن نتصور أزمنة مختلفة متعاصرة في أماكن مختلفة، فالحياة في قرية بسيطة في دولة من دول العالم الثالث تختلف في إيقاعها الزمني عن الحياة في مدينة صناعية أوروبية من دول العالم المتقدم. ونستطيع أن نقول إن الفترات الزمانية المتعاصرة من الناحية التاريخية تنطوي في نفس الوقت على اختلافات كيفية في داخل العصر الواحد، فاليوم الذي سقطت فيه القنبلة الذرية على هيروشيما ينتمي لنظام تاريخي مختلف عن نفس اليوم الذي عاشت فيه الولايات المتحدة بعيدة عن تلك الكارثة المدمرة؛ أي أن هناك عدم تعاصر في داخل التعاصر.
2
وإذا كان الحاضر التاريخي يتميز بمستويات وطبقات مختلفة، كما يتميز الزمان التاريخي بمستويات وطبقات مختلفة داخل المجتمع الواحد، فإننا نلاحظ تعدد أصوات الزمن بتعدد المستويات الاجتماعية، وأيضا بتعدد وتطور النشاط البشري، بحيث يختلف الزمان المصاحب لكل مستوى اختلافا أساسيا عن سائر المستويات الأخرى. فالإيقاع الزمني للفلاح - على سبيل المثال - يختلف عن الإيقاع الزمني للعامل قدر اختلاف هذا الأخير عن الحاكم، بحيث يمكن أن نقول إن «دراسة الأزمنة المختلفة داخل المجتمع الواحد هي من الأهمية بمكان. وأن أي مفهوم للزمن لا يضع في حسبانه تعدد هذه الأزمنة وتعقدها إنما يدخل في صعوبات لا يمكن التغلب عليها.»
3
وهكذا يصاحب مستوى التطور الاجتماعي وسماته واتجاهاته وما يترتب عليه من تنوع النشاط البشري؛ يصاحبه تعدد أصوات الزمن وإيقاعاته.
ويسمح التصور الجدلي للزمان بتصور العمليات المتطورة والمتغيرة فيه؛ لأنه يدور في مستويات زمنية متداخلة ومتقاطعة، بحيث يمكن تصوره ذا اتجاه وقابلا للانحناء والانكماش أو الامتداد وفق ما يمتلئ به من مضمون. ولا تختلف بنية الزمان باختلاف المستويات الاجتماعية فحسب، بل تختلف أيضا داخل الفئة الاجتماعية الواحدة: «إنه زمن قابل للقياس، خاضع للميكنة، ذلك هو زمن التاجر، ولكنه أيضا زمن متقطع، تتخلله فترات توقف ولحظات ميتة، زمن يرتبط بالإيقاعات السريعة أو البطيئة.»
4
بهذا يمكن أن نجد في التاريخ البشري نفسه، وفي داخل المستويات الاجتماعية نفسها أزمانا تميزت بالتجانس الشديد وأزمانا أخرى تميزت بطفرات حاسمة، وكما أن هناك عصورا مفرغة من المضمون والمعنى، فهناك عصور تاريخية أخرى متميزة من حيث بنيتها الممتلئة بالتطور والتجدد بمعانيهما المختلفة، ومن هنا يختلف بناء الزمان التاريخي، أي زمان الأحقاب والعصور الممتلئ عن زمان الساعة المتجانس المحايد الرتيب المفرغ من أي مضمون. (2) حدود الماضي والحاضر والمستقبل
بعد أن حددنا مفهوم الزمان التاريخي الذي سيدور حوله طرح قضايا هذا البحث، نعود إلى حجة أصحاب التيار الفكري الأول الداعي إلى العودة إلى الجذور، أي إلى الماضي. وقبل الخوض في تفاصيل هذه الحجة، نواجه تساؤلا ربما يبدو مألوفا، بل قد يكون ساذجا للوهلة الأولى: ما هي الحدود الفاصلة بين الماضي والحاضر والمستقبل؟ وكما يبدو السؤال مألوفا، تبدو الإجابة أيضا مألوفة ومطروحة في تاريخ الفلسفة. فالماضي هو ما حدث ولم يعد موجودا. والحاضر هو ما يحدث في الآن الهاربة دوما، والمستقبل هو ما لم يحدث أو لم يوجد بعد، ولكن يبدو أن هذه الحدود ليست واضحة بشكل كاف، و«الفشل في المعرفة المحددة لكلمات مثل الماضي والحاضر والمستقبل يمكن أن يؤدي إلى التفكير الخاطئ.»
5
Bilinmeyen sayfa