Felsefi Hasat
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Türler
وينصب اهتمام المصلحة العملية على «التفاعل البشري؛ أي على طريقة تأويل أفعالنا تجاه بعضنا البعض، وطريقة فهمنا لبعض، والسبل التي نتفاعل بها في إطار التنظيمات الاجتماعية ... وتهدف إحدى أفكار هابرماس الأساسية إلى الكشف عن الوسيلة التي بموجبها تقوم البنى الاجتماعية بتشويه عملية التفاعل، وتثير فيها الاضطراب والبلبلة؛ إذ إن سوء الفهم وارد بين البشر، ويمكن خداعهم وتضليلهم بشكل منظم.»
21
ثم يظهر النوع الثالث والأخير من المعرفة والمتمثل في العلوم والفلسفات التي يغلب عليها الطابع النقدي، والمصلحة المرتبطة بهذا النوع هي التحرر من كل أشكال الاغتراب، و«من العلوم التي تسعى إلى هذا الهدف نقد الأيديولوجيات والتحليل النفسي والنظرية النقدية ذاتها، وكلها علوم تعمل على كشف القوى والمصالح الخاصة التي تشوه فعل التواصل، وتبحث الشروط اللازمة للتوصل إلى إجماع حقيق لا يعوقه قهر أو قمع داخلي أو خارجي، والتحرر من كل أشكال السيطرة وأبنيتها.»
22
أي أن هذا النوع الأخير من المعرفة مرتبط أيضا باللغة، ويسعى إلى تخليص التفاعل والتواصل من العناصر التي تشوهه. (3) شروط تحقق التجربة التواصلية
لا يريد هابرماس للنشاط التواصلي أن يتخبط في العشوائية، وحتى لا يصبح تواصلا مشوها لا بد أن تحكمه شروط يجب أن تتوافر في المشاركين في التفاعل. فإذا كانت نظرية الفعل تبتعد عن فلسفة الوعي، فالنشاط التواصلي لا يكون مجرد فعل تقوم به ذات منعزلة، ولكنه مناقشة أو حوار يتم بين مختلف الذوات الفاعلة أو بين ذاتين فاعلتين على الأقل. وتنتقل نظرية الفعل التواصلي من نموذج حوار الذات مع نفسها إلى حوار يتم بين الذوات المشاركة في التواصل. أي أنه بمعنى آخر ليس حوارا فرديا للفاعل مع ذاته، وإنما هو حوار ومناقشة تدور بين ذوات فاعلة مختلفة، وهو حوار تحكمه شروط أهمها:
أن النشاط التواصلي لن يتم إلا من خلال علاقة تفاعل بين فردين أو أكثر داخل سياق العالم المعيش؛ ولذلك فمن حق كل شخص له القدرة على الكلام والفعل أن يشارك في التجربة التواصلية، على أن يعلن اعترافه بمزاعم أو مطالب الصدق المتفق عليها.
أن تتم عملية التواصل من خلال اللغة التي يتم بواسطتها علاقة بين المشاركين في التفاعل وبين العالم الخارجي، وبينهم وبين الذوات الأخرى، باعتبارها - أي اللغة - الوسيط الأساسي في النشاط التواصلي، وعن طريقها يتم الوصول إلى نوع من التفاهم بتوظيف الجمل والعبارات أو التعبيرات التي يتلفظ بها أعضاء الجماعة المشاركة في التواصل سواء كانوا متحدثين أو مستمعين.
أن تهدف التجربة التواصلية للوصول إلى اتفاق بين الذوات المشاركة في التفاعل، ويفترض هذا الاتفاق وجود معرفة مشتركة بينهم، أو على الأقل وجود نوع من التقارب في وجهات النظر، وأن يتم الاعتراف المتبادل على مزاعم الصدق (التي سنشير إليها بعد قليل) من أجل الوصول إلى إجماع.
إذا تشكك أحد المشاركين في التواصل في الدقة المعيارية لتعبير ما، أو إذا تعرض أحد مزاعم الصدق للشك، أو لم يستطع المشاركون في التواصل تبريره أو الدفاع عنه بالحجج العقلية، فإن مزاعم الصدق نفسها تصبح موضع سؤال، وربما يختل التواصل أو يتوقف، وفي هذه الحالة لا بد للمشاركين في التواصل من إعادة فحص تلك المزاعم من جديد، ومراجعتها مراجعة نقدية لتصحيح أخطائها، ومعنى هذا أن العملية التواصلية تخضع لما يسمى بديمقراطية الحوار.
Bilinmeyen sayfa