Felsefi Hasat
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Türler
فيلسوف وعالم اجتماع ألماني، وواحد من أهم أعضاء الجيل الثاني من مدرسة فرانكفورت، وقد اعتاد الباحثون على التأريخ لهذه المدرسة بأنها تطورت على مرحلتين أساسيتين: تمت المرحلة الأولى على أيدي الجيل الأول من المؤسسين وعلى رأسهم هوركهيمر وأورنو وإيريك فروم وغيرهم. ثم جاءت المرحلة الثانية متمثلة في الجيل الثاني، ويعد هابرماس اليوم بغير شك أكبر الشخصيات المرموقة المعبرة عن هذا الجيل، وهو شخصية مثيرة للخلاف والجدل في المناقشات الفلسفية والنقدية الاجتماعية في ألمانيا وخارجها، وقد حقق شهرة واسعة في البلدان الأوروبية والإنجلوسكسونية على السواء.
تأثر هابرماس بأستاذه أدورنو في بداية حياته الفكرية، ثم تحرر من هذا التأثير وانتقده، ونهج نهجا مخالفا، وهب حياته للدفاع عن عقل التنوير الذي انتقده أدورنو وهوركهيمر وأدانه سائر أعضاء الجيل الأول من مؤسسي مدرسة فرانكفورت. وعلى الرغم من تأثر هابرماس بالنزعة النقدية لهذه المدرسة، إلا أنه لم يقف عند حدودها، بل تجاوزها واستعان - بجانب تراث الفلسفة الألمانية - بمختلف العلوم الإنسانية وشتى الاتجاهات الفلسفية المعاصرة، كفلسفة اللغة وفلسفة التأويل والأنثروبولوجيا الفلسفية، «علاوة على الكانطية والهيجيلية والماركسية والتيارات الفلسفية الألمانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فإن المصادر الأساسية لنظرية هابرماس النقدية بدأت أولا عبر تأثره العميق بفلسفة مارتن هيدجر، ثم بالفلاسفة الألمان المعاصرين، وبخاصة رواد مدرسة فرانكفورت، أو أولئك الذين جمعوا بين الفلسفة والسوسيولوجيا والمنظور السياسي في دراسة الواقع.»
1
وبالإضافة إلى دراسته للتاريخ وعلم النفس والاقتصاد السياسي والأدب الألماني، فقد أفاد هابرماس - على وجه الخصوص - إفادة هائلة من تطور علم اللغة في عصره، وربما لهذا السبب ينظر له بعض الباحثين على أنه يمثل تيارا مختلفا عن التيار الذي انطلقت منه النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، مما جعلهم ينكرون انتماءه للجيل الثاني، ويزعمون أنه مؤسس نظرية نقدية جديدة. والواقع أن قولهم هذا فيه إجحاف وتجاوز للحقيقة، فعلى الرغم من أن هابرماس أمد النظرية النقدية بدماء جديدة استقاها من مختلف العلوم الإنسانية التي نهل منها، ووضع أسسا نقدية جديدة محاولا «الخروج من دائرة النظرية النقدية بطرحه نظرية اجتماعية أكثر اتساقا وتنظيما، ليضع بذلك نسقا تحليليا شبيها بعض الشيء في خطوطه العريضة بنسق بارسونز النظري»،
2
فليس هذا بالشيء الغريب على فيلسوف هو سليل تراث نقدي طويل، بدءا من كانط وهيجل إلى ماركس ونيتشه وهيدجر وحتى الجيل الأول من مؤسسي مدرسة فرانكفورت أنفسهم. لكل هذا يعد تفكير هابرماس تطويرا للنظرية النقدية وممثلا لجيلها الثاني؛ فمنطق التطور التاريخي والفكري يقضي بألا يأتي الجيل الثاني نسخة مكررة من الجيل الأول، ومرددا لنفس الأفكار. هذا بالإضافة إلى أنه - أي هابرماس - استفاد من تطور العلوم المعاصرة مما جعله يوسع آفاق النظرية النقدية إلى حد بعيد، ويضعها في نسق اجتماعي شامل، حتى امتدت شهرته إلى سائر أنحاء أوروبا وأمريكا لأصالة ما طرحه من إشكالات فلسفية واجتماعية عديدة.
تطور فكر هابرماس على مرحلتين؛ اتسمت المرحلة الأولى بالطابع التحليلي الإبستمولوجي، وتمثلت في أعماله عن «التقنية والعلم كأيديولوجيا» و«الرأي العام»، كما كان كتابه «المعرفة والمصلحة» (عام 1965م) أول كتبه المهمة في هذه المرحلة التي تبني فيها منهجا نقديا متأثرا بفلسفة كانط وماركس، وحاول في هذا الكتاب أن «يعيد بناء تسلسل جينالوجي للعلوم الطبيعية والإنسانية الحديثة؛ وذلك بالرجوع إلى الظروف الاجتماعية والتاريخية والمعرفية التي نشأت في ظلها، وقد كشف هذا البحث الاستقصائي - في رأيه - عند تزايد التخصص في مجالات المعرفة التكوينية المختلفة، بحيث بلغت مرحلة تعذر فيها الحوار النقدي بين هذه المجالات، ونتج عن ذلك أن وقع التفكير - لا سيما في الفلسفة والعلوم الإنسانية - تحت تأثير أشكال مختلفة من التفكير الذاتي النسبي أو حتى غير العقلاني»،
3
وقد كشفت المرحلة التحليلية من تفكيره عن الخلط بين المجالات والمستويات المعرفية التي انتهت إلى فصل النظر عن العمل.
تحرر هابرماس بعد ذلك من أسر فلسفة التأمل الذاتي التي طغت على تفكيره المبكر في مرحلة الشباب، وتحول - بدءا من كتابه «منطق العلوم الاجتماعية» - إلى مرحلة أخرى يمكن أن نطلق عليها اسم المرحلة التأسيسية، كما تمثلت في «نظرية الفعل التواصلي» بجزأيه، و«الوعي الأخلاقي والفعل التواصلي»، و«الخطاب الفلسفي للحداثة»، وهي الأعمال التي توجت مشروعه الفلسفي. وتحول هابرماس من مفكر يهتم بالموضوعات والأشياء إلى مفكر يهتم بقضايا التفاهم والتواصل بين الذوات. وسعى إلى تأسيس نظرية نقدية جديدة تهدف إلى هدم فلسفة الذات وفلسفات الوعي المتمركزة حول العقل من ناحية، وإلى وضع الأسس النظرية لفلسفة تدور حول التواصل من خلال اللغة من ناحية أخرى «ما أنهك هو نموذج فلسفة الوعي، ولئن كان الأمر كذلك، فإنه لا بد من أن تختفي أعراض الإنهاك فعلا بالانتقال إلى نموذج التفاهم.»
Bilinmeyen sayfa