Felsefi Hasat
الحصاد الفلسفي للقرن العشرين : وبحوث فلسفية أخرى
Türler
إذا تناولنا الزعم القائل بنهاية الفلسفة، وحاولنا فحصه للوقوف على حقيقة الأمر فيه، فلا بد ونحن على مشارف الألف الثالثة للميلاد أن نتخذ موقف المراجعة النقدية لكل الاتجاهات الفلسفية التي سادت القرن العشرين، وأن نرصد حركة التفكير الفلسفي - وهو موضوع هذا البحث - حتى نتبين هل أفضت هذه الحركة إلى وضع نهاية لهذا التفكير بالفعل أم لا؟ وكيف تجلت الروح النقدية بأشكال وصور مختلفة في جميع التيارات الفلسفية التي سنتعرض لها بالرصد والمتابعة والتقييم؟ وأخيرا هل استطاعت الفلسفة طوال مائة عام - وهي الحقبة الزمنية التي يتناولها البحث بالتقييم - أن تواكب احتياجات المجتمع المتغيرة في تلك الفترة التاريخية التي تميزت بالاحتجاج والتمرد على كل ما هو مألوف ومعتاد؟
وإذا كان الرد على هذا السؤال بالإيجاب، فما هي السمات العامة للتفكير الفلسفي التي ميزت القرن العشرين عن القرون الماضية؟ وهل استطاعت الفلسفة أن تلحق بركب التطورات السريعة للتقدم العلمي والاجتماعي، بحيث أصبح وجودها لازمة ضرورية مصاحبة لهذا التطور؟ أم أن الطفرات التي حققها التقدم المذهل في العلوم الطبيعية قد أزاح دورها الريادي؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل تراجعت الفلسفة بالفعل عن مكانتها بما يسمح للبعض بإعلان نهايتها؟ وهل النهاية المقصودة في هذا المقام تعني المعنى الحرفي للكلمة، أم هي إعلان بنهاية المشكلات التقليدية للفلسفة ومنع طغيانها على الفلسفة المعاصرة؟ أم هي إيذان بتحولات جديدة في التفكير الفلسفي وفي طرح مشكلاته كما تمثلت في الثلث الأخير من القرن العشرين؟ وإذا كانت الفلسفة تقف الآن في مفترق الطرق بين التقدم الهائل للعلوم من ناحية، وعصر يموج بالمتغيرات والمتناقضات والتحولات في ظل ثورة المعلومات والاتصالات من ناحية أخرى، فما هي الوظيفة الموكلة إليها في خضم الهجوم الشديد عليها من قبل بعض الاتجاهات - كالماركسية والبراجماتية والوضعية المنطقية والوجودية - بهدف التقليص من مهمتها؟ وإذا كانت الفلسفة جزءا من الحياة وعليها مسئولية تاريخية لا ينبغي التهوين من شأنها، فماذا تبقى لها؟ وما مصيرها؟ وماذا ينبغي على كل فيلسوف حي الضمير أن يفعل؟ وما هي مهمته؟
يحاول هذا البحث الرد على هذه التساؤلات التي تستلزم الإجابة عليها الرجوع إلى الوراء قليلا لرصد حصاد التفكير الفلسفي منذ بدايات القرن العشرين، وحتى نهايته بقدر الاستطاعة، فكثرة الفلسفات المتنوعة والمختلفة بشكل مذهل ومحير في آن واحد، تجعل مهمة محاولة إيجاد وحدة تربط هذا التنوع مهمة مشكوكا فيها، طالما كنا نحن أنفسنا ننتمي إلى هذا العصر، وغارقون فيه حتى آذاننا. وربما ترجع صعوبة تقديم صورة كلية ونظرة بانورامية شاملة على التيارات الفلسفية في القرن العشرين إلى عدة عوامل نحاول إجمال أهمها في النقاط التالية:
أولا:
أن التنوع الهائل للتيارات الفلسفية في القرن العشرين يجعل مهمة رصدها من الأمور الشاقة العسيرة. فلم يشهد أي قرن من القرون الماضية مثل هذا الكم الضخم من الاتجاهات الفلسفية المتشابهة أحيانا والمتباينة أحيانا أخرى كثيرة كما شهد القرن العشرون. وإذا كنا نستطيع أن نصف القرون الماضية بأن نقول إن القرن السابع عشر هو عصر المذاهب العقلية والتجريبية، وإن القرن الثامن عشر هو عصر التنوير، والقرن التاسع عشر هو عصر الفلسفات المادية بأنواعها المختلفة، فإننا لا نستطيع أن نفعل هذا مع القرن العشرين الذي تميز بتيارات فلسفية متنوعة تنوعا مبالغا فيه مما يجعل من غير الممكن تحديد خصائص عامة لكل هذه التيارات.
ثانيا:
أن التفكير الفلسفي في القرن العشرين ليس مقطوع الصلة بفلسفات القرن التاسع عشر ولا بالقرون السابقة عليه. فهناك بعض التيارات - خاصة في النصف الأول من القرن - التي تعد امتدادا وتطويرا للأفكار الأساسية التي سادت في القرن الماضي أو حتى القرن الذي سبقه. وإذا كان هذا التأثير لا ينفي عن هذه التيارات جدتها وأصالتها، فهذه هي طبيعة التفكير الفلسفي الذي يتميز بأنه فكر متصل ومستمر وفي حالة جدل وحركة دائمين. كما تتميز بعض اتجاهاته بأنها تكاد أن تكون مقطوعة الصلة بكل ما سبقها، فهناك تيارات ومذاهب - في النصف الثاني من القرن - جديدة ووليدة القرن العشرين، وتكاد أن تكون في زعم أصحابها بداية جديدة كل الجدة، ومختلفة عن التيارات السابقة عليها، وبين هذا الاتصال والانقطاع يقع الراصد لحركة الفكر في نوع من الحيرة والذهول معا تجعل من الصعب عليه أن يلم بهذه الحركة في نظرة واحدة موحدة.
ثالثا:
يتميز القرن العشرون بأنه عصر يموج بالمتناقضات والمتقابلات ويحفل بالتغيرات والتحولات السريعة. وتنتاب الباحث في سمات التفكير الفلسفي في القرن العشرين وحصاده النهائي مشاعر متناقضة ومتباينة بسبب تشابك الفلسفة في هذا القرن مع علوم أخرى كثيرة، وعلى الرغم من انفصال العلوم عن الفلسفة قبل قرنين من الزمان، وعلى الرغم أيضا من أن الفلسفة لم تعد هي أم العلوم ولا المشرع لها ولا الحاكم المطلق في أمرها، إلا أنها عادت وتشابكت مع العلوم الطبيعية والرياضية والإنسانية مرة أخرى بصور مختلفة، كما تداخلت مع كل آداب العصر وفنونه. وبالإضافة إلى هذا الشعور المتناقض والمتباين يحس الباحث أيضا بالاغتراب كلما توغل بحثه واقترب من نهاية القرن، فهناك نوع من الانشطار بين بداية القرن ونهايته، فالتطور والتحول السريع الذي حدث في التفكير الفلسفي في النصف الثاني - أو إذا توخينا الدقة في بداية السبعينيات من هذا القرن - هو المسئول عن الإحساس بهذا التغريب، حتى ليخيل للمرء أن انتقاله من النصف الأول من القرن إلى نصفه الثاني أشبه بالخروج من عباءة العصر الوسيط إلى عصر جديد كل الجدة. إن النظرة العامة إلى المشكلات التقليدية للفلسفة من ميتافيزيقيا ومعرفة ومنطق وأخلاق قد اهتزت من أساسها؛ إذ «أصبحت الميتافيزيقا والمعرفة مجرد أيديولوجيا، والأيديولوجيا نفسها قد ساءت سمعتها بشكل متزايد. لم يعد أحد يجرؤ على التساؤل عن العناصر الأساسية للوجود، كما فعل الميتافيزيقيون القدامى، ولم يعد باستطاعة أحد أن يعلمنا المبادئ الأساسية للمعرفة الإنسانية، كما فعل الإبستمولوجيون القدامى، ولم يعد المنطق موضوعا فلسفيا، بل أصبح معظم المناطقة أعضاء في أقسام الرياضيات. كذلك الأمر في فلسفة الأخلاق التي تحولت إلى الدراسات الفلسفية التحليلية، وانتهت إلى ما بعد الأخلاق
meta-ethics
Bilinmeyen sayfa