والخلفاء الراشدين، ولا كما كان مجلس الشورى في الأندلس؛ إذ كان له من السلطان ما يستطيع به أن يقضي على الخليفة ويلزمه بحكمه.
وبجانب ذلك كان صاحب البريد، وكان ذا شأن عظيم في الدولة؛ فهو بطبيعة عمله يجمع الأخبار من كل قطر بواسطة أتباعه، ويتجسس بواسطتهم على من بيدهم السلطة، وإذا كانت هنالك مؤامرة أو دسيسة، أو حض على الثورة أخبر بها الخليفة سريعا، وكانت إدارة البريد منظمة تنظيما دقيقا، وإذا استطاع الخليفة أن يحجب كل إنسان فلا يصح له أن يحجب صاحب البريد؛ لأن تأخير ساعة واحدة ليلا أو نهارا قد يجعل الأمر الخفيف مستفحلا، ويجعل ما كان يتغلب عليه باليسير لا يتغلب عليه بالكثير. وكان من شأن صاحب البريد التجسس في الداخل وفي الخارج جميعا، ومن المتجسسين رجال ونساء، ومنهم تجار متخفون، وغير تجار، مما يشبه ما عليه الأمم الغربية في هذا العصر.
توزيع الأمراء
وهناك أمير على كل قطر ينوب عن الخليفة؛ يضرب الضرائب، ويحصل الأموال، ويصرف مما تحصل على الإصلاحات العامة، وما بقي منها يرسله إلى الخليفة في بغداد، وقد بلغ ما دخل خزانة الخليفة كل سنة في عهد الرشيد حوالي 411 مليون دينار، وكانت الإمارات في عهد الرشيد تتألف من الجزيرة، وأذربيجان، وأرمينيا، ومكة، والمدينة، واليمامة، واليمن، والكوفة، والبصرة، والبحرين، والسواد، وعمان، وعراق العجم، وخراسان، وما وراء النهر، والبنجاب، والسند، والأهواز، وجنوبي فارس، والموصل، والشام، ومصر، وعلى كل إمارة من هذه الإمارات أمير يتولى أمورها، وهو مسئول عن شئونها المادية والروحية أمام الخليفة، وإذا حصلت ثورة أخبر الخليفة، وكان عليه أن يخمدها.
وبجانب ذلك أيضا كان أستاذ الدار - أو كما يقال مختصرا الأستاذ - أو كما يسمى اليوم: ناظر القصر، وهو يقوم بكل شأن من شئون الدار، ومراعاة زواره، وما يأمر به الخليفة من تنظيم حفلات كما يقوم على طعام الخليفة وشرابه، وطعام حاشيته وشرابها، إلى غير ذلك.
ثم كان ديوان الرسائل يتولى تدوين توقيعات الخليفة، وإعداد المراسيم، وما يصدر عن الخليفة، وما يرد إليه.
وكان بكل مدينة شرطة يحملون ألقابا عسكرية خاصة ... ثم كان المحتسب الذي يشرف على كثير من الشئون الاجتماعية؛ فيؤدب السكير، والمطفف في الكيل والميزان، ومن احترف حرفة ليس أهلا لها، ويستوثق من صلاحية السلع التي تباع، وعدم بهرجة النساء، ونحو ذلك.
أبهة الدولة في عصر هارون الرشيد
أحيط الرشيد بأبهة الدولة ومباهجها مما أخذته الدولة العباسية عن الفرس؛ ذلك أن مجالس الخلفاء الراشدين كانت ساذجة بسيطة، في المسجد، أو في المنزل، يقعدون على حصير أو جلد، ويلتفون بعباءة أو نحوها، ولا حرس ولا حجاب، وإذا بعثوا قائدا مشى الخليفة في وداعه بلا حرس ولا طبول، ولم تكن هناك حجابة ولا حجاب، بل كان من أراد الاستئذان على الخليفة يقف على الباب، ويقول: «السلام عليكم ... أدخل؟» يكررها ثلاثا، فإن قيل له: «ادخل» دخل، وإن لم يجب لم يدخل، ثم اضطر الخلفاء الراشدون أنفسهم للحجاب للازدحام، فلما فتحوا الفتوح من أقطار كان يحكمها الرومانيون، وأقطار كان يحكمها الفرس، قلدهم الأمراء والخلفاء في مظاهر الأبهة، واتخاذ الحجاب.
وقد بدأ ذلك معاوية بن أبي سفيان في دمشق، وأشاروا عليه بضروب من الفخفخة، فرتبوا الناس مراتب في الدخول على الخليفة أو الأمير، يؤذن أولا للأشراف نسبا، فإذا تساووا في النسب قدموا أكبرهم سنا، فإذا تساووا في السن قدموا أكثرهم أدبا، وقلد الأمويون ملوك الروم، وقلد العباسيون أكاسرة الفرس في مجالسهم ومظاهر أبهتهم.
Bilinmeyen sayfa