وكان من ذلك كله أدب غزير في الخمر وأوصافها، والندمان وأوصافهم وعيوبهم ومحاسنهم، حتى ملأ الأدب العربي، وحتى إن الصوفية كابن الفارض وغيره قلدوا الماجنين في قولهم في الشراب، وغزل المذكر، وغزل المؤنث، وإن لم يكن هناك خمر ولا نساء ولا ذكر.
إبراهيم الموصلي
وبجانب الشعر الغناء ... جاءت طبقة من المغنين أخذت أصول الغناء عن ابن سريج، وابن محرز المكيين، ومالك ، ومعبد المدنيين، واشترك النساء في الغناء، وغنين الغناء العربي والفارسي، ووجدت مدارس للغناء تتناحر وتتسابق، وقد شجع البرامكة الغناء الفارسي، وإلى جانب الغناء الرياضة، وهناك القصص اللطيف الذي يحكي أمور الماضين والحاضرين، ويسجل أحداثهم، ولم يقف في التاريخ عند حد الروايات عن الماضين؛ فقد ركبوا البحار، ودونوا الرحلات، وأدخلوا في التاريخ ما شاهدوه وما سمعوه، وكما اشتهرت بغداد أم الحضارة بهذه الأشياء كلها، كانت دمشق ومصر صورة مصغرة.
ولم يكتف الأمر بهذا، بل أفسحوا صدورهم اعتزازا بمدينتهم إلى الوفود تأتيهم من الروم وغير الروم، يعجبون بما يرون من حضارة لا قبل لهم بها، ويذهبون إلى بلادهم فيتحدثون بما شاهدوا وما سمعوا، ويقلدون ما يستطيعون تقليده، وقد روى التاريخ كلمات كثيرة عن القساوسة والمستشرقين يحضون قومهم على أن يفعلوا فعل المسلمين. •••
هذه - لا الحروب ولا الانتصارات - هي التي أعلت شأن الرشيد في نظر الشرقيين والغربيين، وخلدت ذكره، وأعلت مقامه، وجعلته على كل لسان، فقد نقل إليهم كتاب بطليموس وإقليدس، وعربت رسائلها، ولم تكن دراساتهم لها نظرية بحتة، بل كانت تطبق عمليا: مثل البوصلة البحرية التي مكنتهم من السير في البحار، والمهارة في التجارة، حتى ساروا إلى سواحل الهند، وجزيرة الملايا، وتوغلوا في بلاد الصين، وصارت البصرة ثغرا تجاريا هاما، وكالساعة الدقاقة التي اخترعها العرب، ويصفونها بأنها كانت إذا جاء موعد الساعة دقت، وخرج منها رجال على الخيل بعدد الساعات، فإذا انتهت الدقات دخل الخيالة.
وكان مما خلد الرشيد مجالسه المتنوعة المتعددة؛ فمجلس غنائه كان عماده إبراهيم الموصلي، ثم من بعده ابنه إسحاق، وزلزل الدفاف، وبرسوم الزامر، وإبراهيم الموصلي هذا كان زينة مجلس الرشيد، وإطارا لشخصيته كما تصوره لنا ألف ليلة وليلة، وهو فارسي الأصل أبا وأما، رزقه الله حسن الصوت على خير ما يرزق المغنين في جميع العصور، ورزق إلى حسن صوته جودة إنشائه للشعر وحسن تلحينه.
يروى عنه أنه أنشأ ولحن وغنى قوله:
ربما نبهني الإخ
وان والليل بهيم
حين غارت وتدلت
Bilinmeyen sayfa