Hakikat
الحقيقة: وهي رسالة تتضمن ردودا لإثبات مذهب دارون في النشوء والارتقاء
Türler
72
في العمران؛ لسرعة ارتقاء العلوم الطبيعية وسهولة انتشارها. •••
وأنا أسمع من هنا غمغمة، وأرى أناسا يقومون ويقعدون، وخاصة وعامة يهزءون أو يسخطون، وربما قام منهم متحمسون تحدثهم نفوسهم لو أنهم لا يصبرون، وكلهم يقولون: كيف تريد أن تعيضنا بعلمك المقيد، وفلسفتك المحدودة عن ذلك العلم المطلق، وتلك الفلسفة التي لا تقف في سبيلها عند حد، بل تخرق حجب المادة، وتتطلع إلى ما وراء المنظور؟ بل كيف تريد أن تصرفنا بماديتك الأرضية وتصوراتك الترابية - ولو أنها حقائق - عن تلك المصاب العالية، والأفكار السامية، التي يناجي الإنسان بها أمانيه، بل آماله، بل نفسه وربه؛ إذ يصعد بالخيال إلى سماء المآل، ويراها بذلك الجمال في فراديس الآمال - ولو أن ذلك تنقل في بروج الأوهام، وتطلع إلى صروح المحال - وهل يجد العقل فيها تلك اللذة التي يجدها في هذه؟ أم هل يجد وجدانه
73
فيها تلك الراحة التي يرتاح إليها؟ وأين عظمة كتب العلماء من عظمة كتب الأنبياء؟ بل أين جمال مصنوعات تلك المشهودة من جمال موضوعات هذه الموعودة؟ بل أين مقدرة علوم أولئك المقيدة من مقدرة مواهب هؤلاء المطلقة: من غرائب عجائب العصور الميثولوجية، وما تخلف لنا عنها من مأثورات التجلي الموعود بين البروق والرعود، فنزول اللوح المسطور على ذلك الطور بين النار والنور، فذلك الوجود والصعود المخالفين لطبيعة الوجود، إلى ما سال من العجائب على لعاب العناكب؟! أم هل تقاس كتب القصاصين الطبيعيين اليوم، أم أي مؤلف آخر يؤلفه أي عالم في الهواء والماء والتراب لتقرير ما فيها من الحقائق، أو في المحراث والمعول والعمل؛ لبيان ما فيها من المنافع بكتب أساطين الأدب، ولا سيما القصاصين الفرنسويين، الذين أحرزوا قصب السبق اليوم في ميدان «الرومان»، حتى بلغ منهم التأنق في السبك، والدقة في الوصف، والرقة في التصور، أنهم وصفوا الخيال بارق من الخيال؟!
بل أين أشعار المعري التقريرية التي تكاد تنقصم صلابة من أشعار الفارض الخيالية التي تكاد تذوب رقة؟ بل أين وقعها في النفس من أشعار شكسبير الموضوعة، وما يتخللها من الخيال الرائع، الذي يستفز الطبع، ويستهوي العقل؟ بل أين جمود قولك هذا:
لازم الموت في الوجود حياة
لازمت في وجودها الموت قسرا
حاول الناس منعه وبمنع الموت
منع الحياة في الكون طرا
Bilinmeyen sayfa