Lübnan Gerçeği: Düşünceler ve Konuşmalar
الحقيقة اللبنانية: خواطر وأحاديث
Türler
سوى أنه بقي شيء؛ بقي أن لا تبعد الشقة بين العهد الاستقلالي والشعب اللبناني، أن لا تنقطع الصلة بينهما، بقي أن يستمر هذا الشعب على رجائه في أن يكون هذا العهد له حقا وصدقا، وليس لأفراد منه ولا لفئات. ومتى قلنا: «العهد الاستقلالي»، فقد قلنا: «الوطن اللبناني» الذي يريده أبناؤه حرا سعيدا، بهم جميعا ولهم جميعا؛ كي يؤرخوا دائما شئونهم اليومية بيوم من أيام السعد.
بوسعنا القول إن لبنان، خلال فترة ما بين الحربين، لم يتمرس بسوى تجربة واحدة، لم يعرف سوى عهد سياسي واحد. ولا ننس أن تلك الفترة دامت نحوا من ربع قرن، وليس ذلك في زمننا المجد السريع، بالبرهة القصيرة.
نحن لا نزعم أن الشعب اللبناني لم يكن، طوال هذه المدة المديدة، منطويا على أية رغبة ملحة أو فاترة، في أن يستبدل بتجربته تلك غيرها، أو في تخطي ذلك العهد السياسي إلى غيره، إلى ما هو خير منه، لكن الواقع أنه لم تبدر منه أية حركة رفيقة أو عنيفة، صائبة أو طائشة، تستهدف التغيير والتبديل؛ حتى لقد كان يخيل إلى الناظر أن لبنان جامد، بينما الأرض تدور، أو هو على الأقل واقف، بينما الأقطار المجاورة تحرك أرجلها تحفزا للمسير، بل أخذت تسير.
ترى، هل غلب على ظن لبنان الذي أطلع، قبيل الحرب العظمى الماضية وفي أثنائها، نفرا كانوا بلا مراء في مقدمة ذلك الجيش الباسل النبيل، جيش الدعاة إلى التحرر القومي، والمجاهدين في سبيل الاستقلال الوطني؟ ترى، هل غلب على ظن لبنان أنه قد بلغ أخيرا الغاية، فاستراح؟
لا نظن ذلك، بل كل شيء ينطق بعكسه؛ فإن ما أوتيه الشعب اللبناني من أصالة التهذيب وشيوع الثقافة، ومن النضج الاجتماعي والوعي السياسي، كفيل بأن يدفع تلك التهمة؛ تهمة النوم. وأي نوم؟ على أكاليل من غار مستعار، ومستعار بالمعنيين. لقد سنحت للشعب اللبناني فرصة سعيدة مؤاتية، فأثبت أن جميع تلك المؤهلات فيه لم تذهب - ولا يصح أن تذهب - باطلا؛ المؤهلات للتمرس بتجربة سياسية جديدة، في هذا العهد الاستقلالي الذي نحن الآن فيه. لم يذهب باطلا ولا يصح أن يذهب باطلا، أن لبنان بقي عصرا وبعض عصر، في طليعة الأقطار العربية، نهضة علمية وأدبية واجتماعية، وفي الطليعة أيضا حركة «تحررية» بمعناها العام الشامل. لم يذهب باطلا، ولا يصح أن يذهب باطلا، ذلك الإشعاع اللبناني الذي ينتظم بالهجرة، فبالإقامة، ثم بالنبوغ، الجهات الأربع من الأرض.
ونحن إذ نقول هذا، لا نقوله - يشهد الله - تبجحا أو تزيدا، بل ولا تلذذا بالنبأ المفرح الذي يحلو بالاستعادة، إنما نقوله كي نتأول لأنفسنا كيف أن لبنان، وفيه تلك المؤهلات الأصيلة القيمة، ومنه ذلك الإشعاع المتصل المتعدد، ظل في سنيه العشرين الأخيرة، بينما كانت الدنيا تدور، والأقطار المجاورة تسير؛ ظل واقفا على «سياسته» وقوف شاعر على الأطلال.
سوى أننا لسنا بحاجة إلى إطالة فكر أو روية، كي نعزو ذلك جميعه إلى سببه الواحد المباشر، وهو أن لبنان كان خلال الفترة الخرساء - ولنسم الأشياء بأسمائها - منقسما على ذاته، وكان كل من جزئيه الاثنين يشعر نحو الآخر ببعض الحذر وبكثير من الوحشة، وإنما على صعيد الوطنية الصرف، يبطل الحذر وتزول الوحشة، «وقد يجمع الله شتيتين ...»
تجوس الأحاديث هذه الأيام، خلال الحركة العربية ماضيها أو حاضرها، ولا سيما ماضيها. إن «الحركة العربية» تسمية عامة مطلقة يكتنفها شيء من الغموض، كسائر التسميات التي تدمغ بها التطورات السياسية القومية، قبل أن تعين حدودها ومعالمها، أو تبلغ مداها الأخير الذي تستقر فيه إلى حين، لكن مهما يكن من أمر، فثمة شيء ثابت بين، لا خلاف فيه، ولا إبهام حوله، هو النشاط الفكري والسياسي الذي استهدف في سياق تاريخنا الحديث - ولا يزال - بالدرجة الأولى: استقلال الأقطار العربية، وبالتالي توثيق الروابط على أنواعها، بين هذه الأقطار.
وبديهي أن النقاش لم يتناول هذا الموضوع الجليل، إلا لعلاقته المباشرة بما تعاقب من مفاوضات في الأشهر الأخيرة بين أقطاب السياسة العربية في جانب، وبين رفعة مصطفى النحاس باشا في الجانب الآخر. وأقرب هذه المفاوضات عهدا، وأمسها بنا في الوقت نفسه صلة، مفاوضات البعثة اللبنانية الكريمة.
لقد درجت الصحف المصرية، والبلاغات الرسمية أحيانا، على التعبير عن تلك المفواضات بلفظ «المشاورات»، فهم يقولون: مشاروات الوحدة أو الاتحاد أو التعاون وهلم جرا ... ولما كانت القضية العربية متقدمة على كل هذه التعابير، فلا يفسر استعمال لفظ «المشاورة» هنا إلا بأن رئيس الحكومة المصرية (السابق) هو الذي ابتده؛ بل وهو الأصح «استأنف» تلك المفاوضات العربية؛ إذ طفق يقوم بها على التوالي مع رجال الحكم أو ممثلين لهم من سائر الأقطار. وعلى كل، فإنه لمما يسترعي الانتباه والتقدير، أن تصبح مصر قطب الرحى في هذه المفاوضات، برغم عدم سبق الشقيقة الكبرى إلى اعتناق مذهب القومية العربية والدعوة له. على أن هذا لم يكن سوى نتيجة طبيعية لبضعة عوامل، لعل على رأسها أن الحركة الوطنية في مصر، بحكم وضعها السياسي وظروفها الخاصة، قد لبثت زمنا وهي تستند في شخص أحد قادتها أو روادها؛ مصطفى كامل باشا (مثلا)، إلى ارتباطها بالسلطنة العثمانية (في الوقت نفسه دار الخلافة أو الإمامة العظمى)، أو على الأقل تحتج بهذه الرابطة، بينما كانت الأقطار العربية الخاضعة عهدذاك لتلك السلطنة تعاني من جراء تلك الرابطة بعينها ضروبا من الاضطهاد القومي، دفعتها دفعا عنيفا في سبيل المطالبة بحقوقها المشروعة، كأقوام متميزة بخصائص، متفردة بمصالح، ثم إلى محاولة الانفصال عن ذلك الجسم «الخليط»، في كيان سياسي خاص يستقل بإدارة شئونه، وحكومة ذاته. ولقد أتى زمن لم يكن ينظر فيه بعين الرضى أو الارتياح في مصر إلى «حركة» الملك الشريف حسين «العربية» لعلة خروجه على الخليفة العثماني، كما أنه لم يكن يتردد على الألسنة والأقلام، من التعابير الدالة على التكتل، سوى «الجامعة الإسلامية» في الكثير الغالب، و«الرابطة الشرقية» في بعض المناسبات. لكن ليس في وسع أحد نكران ما تنطوي عليه جميع تلك المظاهر، من نزعة استقلالية مصرية.
Bilinmeyen sayfa