Mavi Çanta
الحقيبة الزرقاء: رواية عصرية أدبية غرامية
Türler
بينما كان منتدى جامعة كمبردج غاصا بالمحتفلين كان المستر هوكر يخاطب ابنته قائلا: الآن في هذه الساعة يا أليس يكون إدورد ابن عمتك على المنبر يلقي قصيدته الرنانة «النرجسة الذابلة»، ولا ريب أن المنتدى يدوي الآن بتصفيق الحضور استحسانا وإعجابا؛ لأن القصيدة بديعة، ألا ترينها بديعة يا أليس؟! - بالطبع أراها كذلك، ولكن أتظن يا أبي أن الحاضرين سيستحسنونها كما استحسناها نحن؟
ولم تفت أباها ملاحظة ابتسامها وتورد خديها القليل. - من غير شك، أعيديها على مسمعي الآن يا أليس، ها نسختها على المكتب، تناوليها. - كأنك تقول يا أبي إنه إذا فاتك حضور الحفلة لسبب مرضك لا يفوتك سماع القصيدة في حينها.
فضحك أبوها ضحكة الإعجاب بتأويلها هذا. - صدقت. إذن لا فرق عندي بين أن يلقيها إدورد أو تلقيها أنت، فكلا الصورتين مستحب عندي، ولا ريب أني تأسفت جدا لعدم إمكاني حضور الحفلة ورؤية إدورد على منصة المحفل، يلقي خطابه معجبا، ويتناول الشهادة المدرسية مفتخرا. وتأسفت بالأكثر لعدم ذهابك أنت يا أليس ورجوعك معه. - كنت أود ذلك جدا يا أبي، ولكن يستحيل أن أتركك مريضا بين يدي الممرضة والخدم. - ولكن حالتي لا تستوجب قلقك يا حبيبتي، ولم تكن داعيا كافيا لأن تحرمك حضور حفلة سارة، هي الحفلة الوحيدة التي ينال فيها ابن عمتك شهادته العلمية. - أسفت جدا يا أبي، ولكن لم يطاوعني ضميري أن أتمتع بمحاسن حفلة كهذه، وأنت تتقلب على فراش الحمى. - بارك الله فيك يا حبيبتي.
ثم تناولت أليس القصيدة، وجعلت تتلوها بتأن، وكانت عند كل مجاز جميل تقف أو يستوقفها أبوها، ويتباحثان في المغزى وأبوها يظهر الإعجاب، وهي تبتسم إلى أن انتهت القصيدة. - أرأيت يا أليس أن إدورد نابغة، وسيكون يوما من فحول الشعراء إن شاء الله وينال شهرة واسعة. ألا يسرك أن يكون إدورد كذلك؟! - من غير شك يسرني وأفتخر به. - أتفتخرين به كحبيب أو كقريب يا أليس؟!
فامتقع وجه أليس حياء من هذا الإلماع، وخشيت أن يتمادى أبوها في استطلاع ضميرها واكتشاف أسرار قلبها؛ ولذلك أطرقت صامتة. - مالي أراك قد خجلت يا ابنتي؟! أعار أن تحبي ابن عمتك وهو نابغة أقرانه؟! وهل تظنين أن عواطفك نحوه خفيت علي؟! فإني كل يوم ألاحظها فيك مرارا، وأمس سمعت اسمه يتردد بين شفتيك وأنت تحلمين، وأول أمس كنت في الحديقة جالسة تتأملين فبمن كنت تفكرين؟ أليس بإدورد؟!
فابتسمت أليس تحت محيا مكفهر، وانكمشت ضمن ثوب من الخجل؛ حتى كاد تصبح نصفها حجما. - لا تظني أن حبك له خفي علي يا ابنتي، ولا تظني أن هذا الحب يسوءني، بل يسرني جدا إذا كان إدورد يبادلك مثله، فحبي إدورد يا أليس أحبيه، فهو النصيب السعيد الذي أعددته لك منذ حداثته إلى الآن، ولسوف ترين أنك تكونين معه سيدة تفاخر الدوقات والبرنسسات والكونتسات.
فتهلل وجه أليس بشرا وخفق فؤادها طربا لهذا النصح؛ لأنه جاء كالمرهم لجرح فؤادها. - إن إدورد أعظم جدا مما تعرفينه وتتصورينه يا أليس، وهو نفسه لا يدري قيمة نفسه، ولكن إن صرتما زوجين - ولا أهنأ إلا إذا صرتما كذلك - ترين المجد الذي يحف بك وترين إدورد يتبوأ عرش مقامه الذي كتم له في صدر الدهر.
ولم تكن أليس لتقدر مغزى هذا الكلام حق قدره، ولا ابتعد فكرها إلى ما فيه من الألغاز، بل ظنته كلاما اعتياديا يقصد به أبوها مجرد الترغيب والتحبيب؛ ولهذا كانت تراه فضولا لأن قلبها أصبح في غنى عن كل ترغيب، وبعد سكوت هنيهة استأنف الكلام قائلا: بل أزيدك علما أن هذا المجد المعد لكما مترتب على اقترانكما يا أليس؛ فإن كان لكما حظ سعيد، وقدر لكما أن ترقيا إلى قمة مجد باهر، وتجاريا أشراف إنكلترا وتتمتعا بكل حقوقهم. إن كان قد قدر لكما هذا النعيم فتقترنان، وإن لم تصيرا زوجين عاش إدورد كأبسط عامة الناس، ولم تفرقي أنت عن العامة إلا كما يفرق أغنياؤهم عن فقرائهم.
وكانت أليس تسمع هذا الكلام مطرقة حياء لا تنبس ببنت شفة. وماذا تقول؟! بيد أنها فكرت في كلام أبيها هذا قليلا، ولكن شجون هواها غلبت على أفكارها؛ فما لبثت أن محت من مخيلتها كل فكرة غير الفكر بما يتعلق بإدورد حبيبها، ثم عاد أبوها يضرب على ذلك الوتر نفسه: نعم لا تخجلي يا ابنتي أن تحبي ابن عمتك، ولا تكتمي حبه فهو حب موافق لك وله، ولو كنت تسلمين قلبك لسواه أيا كان لكنت أنكره عليك؛ لأني أضن بك على غير كفئك، ولا أرى أكفأ لك من إدورد، ولا أخشى أن تتهوري في محبته قبل أن تستميليه إليك وتضطريه أن يطلب يدك من تلقاء نفسه.
ولا ريب أن القارئ الذي يجهل خفايا المستر هوكر وأسراره يستهجن حديثه هذا مع ابنته، بل هو مستهجن على أي حال، ومهما كانت الأحوال الداعية إليه، فلا يليق بأي الأبوين أن يغري ابنته أو يزين لها أن تحب شخصا لم يطلب يدها بعد.
Bilinmeyen sayfa