وضحكت مرة ثانية، حتى دمعت عيناها، وكساهما بريق شديد جعلهما يشعان في الليل كفصين من الماس.
وشاركها الضحك، وهو يقاوم في نفسه رغبة، لو أطاعها لقام من مكانه، وذهب إليها، حيث تجلس وأخذ رأسها الصغير بين يديه، وقبل كل جزء في وجهها، حتى عينيها. وبعد فترة صمت طويلة قالت له، وهي تثبت فصيها الماسيين في مكر: وماذا أصبح الحب عندك بعد حياتك العريضة المليئة بالتجارب؟
وشردت نظراته بعيدا في الليل، وهو يداعب شفته السفلى بأسنانه، وتعبث أصابعه الطويلة بشعر رأسه القصير، ثم قال بعد فترة وهو ينظر إليها نظرة عميقة جادة نفذت إلى أعماقها: أصبح كل شيء. - تعني أنني كل شيء لك الآن؟ - بكل تأكيد. - إذن فأنت تعرض علي الزواج. - بكل تأكيد. - هل أنت جاد؟ - كل الجد. - أنت رجل جريء جدا. - لماذا؟ إن معظم الرجال يتزوجون! - إن الرجل الغبي هو الذي يتزوج، والرجل الذكي يتزوج في لحظة غباء!
وضحك، وفرد جسمه الطويل في استرخاء، وأسند رأسه إلى ظهر الكرسي، ثم قال بعد فترة صمت قصيرة، وهو معلق بصره إلى السماء: ماذا كنت تقصدين بأنك لست فاضلة؟ - أنني لست فاضلة. - ماذا تعنين؟ - إنني لا أومن بالحب. إن الحب هو الفضيلة الوحيدة في هذه الحياة، ولكن الرجل والمرأة لا يلتقيان أبدا عند هذه الفضيلة. - كيف؟ - المرأة التي تؤمن بالحب تقابل رجلا لا يؤمن بالحب. وحينما يؤمن الرجل بالحب يقابل امرأة لا تؤمن بالحب. - لماذا؟ - لأن المرأة تبدأ الطريق وهي مؤمنة بالحب، ثم تفقد هذه الفضيلة في نهاية الطريق، والرجل بالعكس، يبدأ بلا فضيلة، ثم يجدها في نهاية الطريق. - وكيف يكون اللقاء بينهما إذن؟
وتوقفت أناملها عن دق المائدة، وحولت عينيها عن السماء إلى الماء، وظلت تنظر في البحر الغارق في الظلام فترة، ثم قالت: حينما تقابل امرأة في أول الطريق رجلا في نهاية الطريق، يصبح الاثنان واحدا ويتزوجان. وحينما تقابل امرأة في نهاية الطريق رجلا في أول الطريق، يبقى الاثنان اثنين، وقد يتزوجان وقد لا يتزوجان. وحينما تقابل امرأة في أول الطريق رجلا في أول الطريق، يصبح الاثنان ثلاثة ولا يتزوجان. - وحينما تقابل امرأة في نهاية الطريق رجلا في نهاية الطريق أيضا ماذا يفعلان؟
وسكتت لتفكر، وثبتت عينيها على كوب البيرة المثلجة، وقد تكثفت عليه قطرات صغيرة من الماء، وأمسكت الكوب، وأخذت رشفة، ثم نظرت إليه، وابتسمت، ثم قالت: يشربان البيرة فقط!
وطافت نظراته على صفحة النيل الهادئة، وقال وهو يمسك ذقنه بيده: وما طول هذا الطريق؟ - ليس له طول ثابت، قد يكون سنة واحدة، وقد يكون عشرين سنة، وقد يكون العمر كله!
ونظر إليها في مكر وقال: وكم كان طول طريقك؟ - ست سنوات. وأنت؟ - لا أعرف، إنني لست فاضلا بعد!
وضحكت في مرح، وشاركها الضحك، ورفع كل منهما كوبه إلى فمه.
ثم قالت وما زالت الابتسامة تضيء وجهها: إذن فقد سبقتك. - إنني أحب المرأة التي تسبقني. - حتى ولو كانت غير فاضلة؟ - إنني أحب المرأة التي تقول عن نفسها إنها ليست فاضلة! - ولكني لا أقول فحسب، إنني فعلا كذلك. - هذه الصراحة تعجبني. - ولكنها ليست صراحة، إنها الحقيقة المرة! - ولماذا مرة؟! إنني أحس في هذه اللحظة أنك أفضل نساء العالم! - أوه! عجيب هذا المخلوق الذي اسمه رجل! حينما تقول له المرأة إنها فاضلة لا يصدقها أيضا! - لأن المرأة تقول دائما عكس ما بها. - لكني لا أشارك النساء هذه الصفة، أقسم لك إنني لست فاضلة، أرجوك صدقني! - لا أستطيع أن أصدقك! - لماذا؟ - إن امرأة مثلك لا يمكن إلا أن تكون فاضلة! - بل لأن الحقيقة إذا صدرت من صاحبها لا يصدقها الناس.
Bilinmeyen sayfa