فقال الرجل دهشا: حسني فقط؟! .. وإخوته؟ .. وأنت؟
فقالت: لسه يا بك .. لسه .. أرجو ألا تنكر علي تباطئي؛ فهذه طريقتي في الشراء وإن كنت تطلع عليها لأول مرة.
وجاءا معا في اليوم التالي، ودخلت الزوجة إلى المحل، وانتظر البك في السيارة، وفات على دخولها ساعة ثم ساعة أخرى؛ فتململ البك في جلسته، وأحس برغبته في الحركة؛ فغادر السيارة ودخل إلى المحل، وبحث عن زوجته بعينيه، ومضى يسير هنا وهناك، ولكن الظاهر أنها كانت بالطابق العلوي، فصعد الأدراج على مهل، وقطع المكان ذهابا وإيابا، ولكنه لم يعثر لها على أثر، فعاد أدراجه وهم بالبحث مرة أخرى في الطابق الأول، ولكنه رآها مقبلة من أقصى المحل والغلام يتبعها يحمل المشتريات، فلم يرد أن يظهر لها نفسه وسبقها إلى السيارة .. وتساءل في صمته: كيف لم يعثر بها مع أن المحل لم يكن مزدحما؟ هل لأنه لم يحسن البحث يا تري؟ .. ولذعه الشك .. هل من الممكن .. ولكن هذا بعيد عن التصور.
وجاءت معه في غداة اليوم التالي، ودخلت المحل ولبث هو في السيارة كما فعل بالأمس، ولكنه لم يمهلها إلا دقيقة واحدة، ثم تبعها على الأثر ورآها تسرع الخطا منعطفة إلى يمين الداخل؛ فظن أنها قاصدة إلى المصعد، ولكنها واصلت السير إلى باب المحل الجانبي وخرجت منه، فخفق قلبه بشدة، وتبعها بخطى سريعة وبلغ الباب، ثم نظر إلى الطريق فرآها تدخل «لاكلير» المواجهة لباب المحل، وشاهدها تدخل إلى المصعد ثم صعد بها، فاجتاز الطريق ودخل العمارة وانتظر هبوط المصعد، وسأل البواب عن الطابق الذي صعد إليه، فرفع الرجل بصره وقال: «الطابق الرابع.» فدخل المصعد وضغط الزر رقم 4 وخرج منه، فوجد نفسه في ردهة تواجهه ثلاثة أبواب، فألقى عليها نظرة هائلة وهو يقول: ترى في أيها دخلت؟! واقترب من أولها فقرأ عليه المسيو فالديمير كراوس المحامي بالمحكمة المختلطة، وقرأ على الباب الثاني اسم ه. ليفي متعهد راديو تلفنكن، وكتب على الثالث «مدموازيل فلورا خياطة للسيدات». ووقف أمام الباب الأخير لا يريم، وقد انحصر فيه ارتيابه، وضغط على الجرس ففتح الباب، ودخل قبل أن يؤذن له بالدخول، فتراجعت أمامه التي فتحت الباب دهشة مستاءة، وألفى نفسه في ردهة متوسطة الحجم تحيط بها حجرات أربع، منها ثلاث مغلقة الأبواب وواحدة مفتوح بابها على مصراعيه، ويرى بداخلها بعض السيدات والأوانس؛ منهن من تطمئن إلى مقعدها، ومنهن من تقف أمام المرآة لتلقي النظرة الأولى على فستانها الجديد. وانتبه إلى الفتاة الواقفة أمامه يبدو على وجهها الإنكار، وسمعها تسأله: هل المدام مع البك؟
فالتفت إلى مغزى السؤال وتحير كيف يجيب أو كيف يعتذر عن وجوده؛ لأنه اندفع تحت تأثير الغضب والحنق اندفاعا لم يتدبر أمره، وألقى على الأبواب المغلقة نظرة ارتياب وقهر، وود لو يستطيع أن يقتحمها ليرى ما بداخلها، ولكنه لم يفعل شيئا لأنه لم يكن فقد عقله، ولأنه هو رجل القانون لم تكن تخفى عليه مغبة عمله فيما لو أخطأ تقديره وحسبانه، وكأنه أراد أن يقامر بما تبقى لديه فسألها: أليست هذه شقة مدموازيل فلورا؟!
فقالت الخبيثة: بلى، ألم تقرأ اللافتة يا مسيو؟
فقال: إن زوجتي سبقتني إلى هنا.
فسألته: ما اسمك يا سيدي؟
فقال: جمال ذهني.
صاحت بصوت عال لدرجة مزعجة: مدام جمال ذهني.
Bilinmeyen sayfa