بلاد بها كنا وكنا نحبها إذ الناس ناس والزمان زمان
بل كالعدم لفقدها فيه، وكقوله تعالى
صم بكم عمى
حيث نفى عنهم السمع والنطق والبصر، ولو وجدت فيهم إذ لم يستعملوهن فيما خلقن لأجله، ويستعمل أيضا فى بعض الأشخاص بدون تعيينها فى اللفظ ولا فى النية بلا قيد صفة كقوله
ولقد أمر على اللئيم يسبنى
أوبقيد صفة أو فى البعث المعين مقيدا بها كما فى قوله تعالى
ذلك الكتاب
وصفة الكمال أو فى بعض معين غير مقيد بها، ومن باب قوله ولقد أمر على اللئيم. قولك الرجل خير من المرأة، وأسامة أشجع من النمر. ولا يصار إلى هذا الباب لقلة جدواه إلا عند تعذر غيره. { قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء } الاستفهام إنكارى، أنكروا أن يكون صوابا أن يؤمنوا كالسفهاء أو توبيخ أو تعجبى، وأل فى السفهاء للعهد الذكرى لأنه لا يشترط فيه تكرار اللفظ بعينه، فمنه قولك ما بات عندى إلا زيد، فبات العالم عندى فى كرم، تريد بالعالم زيدا، وكقولك رأيت الأسد فهبت الغضنفر، أى الأسد، وكقولك قاتلنى الكافر فقتلت الخبيث، يعنى بالخبيث ذلك الكافر، وكما تقول لصاحبك، إن عمرا قد سعى بك، فيقول أوقد فعل السفيه، يريد السفيه عمرا الساعى به إلى سلطان أو نحوه، فكذا المراد بالسفهاء الناس المذكورون فى { كمآ آمن الناس } فالمراد بالسفهاء جنس الناس المؤمنين بأسرهم، المعهودين أو نوع معهود منهم كابن سلام، وقال السعد جنس السفهاء بقطع النظر عن كونهم مراد بهم الناس المذكورون فى قوله { كمآ آمن الناس } أو غير مراد بهم ذلك، ويندرج تحت لفظ السفهاء على زعمهم، وإنما نسبوهم للسفه لاعتقادهم فساد رأى من يؤمن بالقرآن ورسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالله وصفته كما هو، وبالبعث والجنة والنار، كما هن. وقد مر إيمانهم بالله على غير صفته سبحانه وتعالى، وبالبعث والجنة والنار على غير ما هن عليه، أو لتحقير شأن المؤمنين حينئذ، إذ كان أكثرهم فقراء كابن مسعود وأبى ذر، وكان بعضهم مولى كصهيب وبلال وخباب وسلمان، وإن فسرنا السفهاء بالنوع المعهود المخصوص وهم من آمن منهم، كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار، فإنما سموهم سفهاء إظهارا للعزة والشجاعة وعدم الذبول بإيمان من آمن منهم، وعدم المبالاة به فى الظاهر مع أنهم قد ذلوا بإسلام هؤلاء وذبلت قلوبهم، وافتضحوا بإيمانهم كسرا فى أعضادهم، وغاظهم إيمانهم ما لم يغظهم إيمان غيرهم، لأنهم لما آمنوا علم الناس أن الإيمان حق، لأنهم أهل التوراة والإنجيل، وإنما ساغ أن يقال هم منافقون مع تصريحهم بتسفيه المؤمنين، لأنهم يصرحون به فيما بينهم، أنؤمن كما آمن سفيه بنى فلان؟ وسفيه بنى فلان؟ فأخبر الله جل وعلا نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بذلك، أشار إليه الشيخ هود وغيره، وظهر لى وجه آخر فى تسفيه من آمن منهم، وهو أنهم بهتوهم بالسفه كالزنى والسرقة والكذب ورقة النسب ونحو ذلك، مما ليس فيهم رحمهم الله، كما روى
" أنه لما أسلم عبد الله بن سلام خبأه صلى الله عليه وسلم، ودعا اليهود وقال لهم " ما تقولون فى عبد الله بن سلام؟ " قالوا حبرنا وعالمنا وابن حبرنا. قال صلى الله عليه وسلم " أرأيتم إن أسلم؟ " قالوا أعاذه الله أن يسلم، فخرج عليهم وصرح بالإسلام وقال اتقوا الله فإنكم قد علمتم أن محمدا رسول الله فى التوراة، فقالوا سفيهنا وابن سفيهنا "
، والسفه خفة وقلة رأى يصدران عن نقصان العقل، والحلم ثقل رأى وعظمة يصدران عن تمام العقل، وأكثر الآيات تدل على أن المنافقين المذكورين فى القرآن مشركون، ولا أكاد أقول غير ذلك، وأما القسم الآخر المسمى بالمنافقين، وهم فسقة الموحدين فثابت عندى أيضا لأدلة كثيرة، وليسوا مرادين فى القرآن عندى. والله أعلم. وجمهورنا على غير ذلك، ومن ذلك قول الشيخ هود. قال الله
Bilinmeyen sayfa