قاله القاضى.
[2.178]
{ يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى } فرض عليكم القصاص، وقرأ بعضهم فى جمع القرآن كتب بالبناء للفاعل وهو الله سبحانه وتعالى، ونصب معا بعده فيقرأ بفتح الكاف والتاء، ونصب القصاص، ويقرأ كتب عليكم الصيام كما كتب بفتحهما، أى كما كتبه وهكذا والقصاص المماثلة، يقال فلان يقص الأثر أى يتبعه، فكأنه برؤيته يحدث آخر مثله، وأيضا قد ماثله بخطواته إذا كانت إلى جهة الأثر الأول، وقص الحديث ذكره مثل ما ذكر أولا، فالمقتول يحجر يقتل بحجر، والمقتول بعصى يقتل يعصى، وهكذا. ويروى عنه صلى الله عليه وسلم
" المرء مقتول بما قتل به، إن سيفا فسيف وإن خنجرا فخنجر "
فقيل على عمومه وقيل إلا النار والسم فلا يقتل بهما قاتل بهما، بل بالسيف وقتله بما قتل به على العموم، أو التخصيص، قولنا وقول الشافعى ومالك ورواية عن أحمد بن حنبل، وقال أبو حنيفة من قتل بغير السيف قتل بالسيف، وهو رواية عن أحمد، والأول أوضح وأكمل فى الإنصاف والمماثلة التى هى القصاص، ووجه القول الثانى أن أصل القتل بالسيف، لأنه المعد للقتل وقطع الأعناق التى لا حياة بعدها، وأنه مأخوذ من ساقه بمعنى أهلكه، وإن القاتل سلك طريق القتل فسلكها كما سلكها القاتل، والحديث المذكور خص فى الأول فهو راجح به قطعا، والآية نص فى أن الواجب على القاتل القصاص، وأما الدية فهى بدل عنه، وبه قال أبو حنيفة والشافعى فى أوضح قوليه، ولو عفا ولم يسمها فلا شئ، وقيل كلاهما واجب على التخيير والواجب على التخيير يصدق عليه أنه واجب، ولذلك قيل التخيير بين الواجب وغيره وليس نسخا لوجوبه، ومعنى الوجوب أنه إذا أراد الولى القتل لم يمنع منه ولزم القاتل الانقياد له، وإن أراد الدية لم يمنع منها بل لزم القتال أداءها، وإن شاء الولى ترك القتل والدية معا، والقول بوجوبهما قول آخر للشافعى، واحتج أبو حنيفة بالآية إذا قال كتب ثم ترتب الدية على العفو فدل الترتيب على أنها إنما نحب بالعفو عن القتل فى القتل العمد، فعلم أن القتل العمد يوجب القصاص فقط، فبطل الاستدلال بأن الواجب على التخيير يصدق عليه أنه واجب، فالقتل على قول أبى حنيفة مقتضى العمد وعلى القول الآخر هو أحد مقتضيه ومقتضاه الثانى هو الدية، وإلا لما رتب الأمر بأدائها على مطلق العفو، وتقدم آنفا بطلان استدلاله والقتلى جمع قتيل وألفه للتأنيث. { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } أى الحر يقتل بالحر والعبد يقتل بالعبد، والأنثى تقتل بالأنثى، فالخبر محذوف جواز ألأنه كون خاص. قال ابن هشام ومما يخرج على التعليق بالكون الخاص قوله تعالى { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } التقدير مقتول أو يقتل لا كائن اللهم إلا أن يقدر مع ذلك مضافان، أى قتل الحر كائن بقتل الحر، وفيه تكليف تقدير ثلاثة الكون، والمضافان بل تقدير خمسة لأن كلا من المصدرين لا بد له من فاعل، ومما يبعد ذلك أيضا أنك لا تقدم معنى المضاف الذى تقدره مع المبتدأ إلا بعد تمام الكلام، وإنما حسن الحذف أن يعلم عند موضع تقديره نحو
واسأل القرية
انتهى. وكانت دماء فى الجاهلية بين حيين من أحياء العرب، وكان أحدهما يتطاول على الآخر، فأقسموا لنقتلن الحر منكم بالعبد، والذكر بالأنثى، فلما جاء الإسلام تحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية، فأمرهم ألا يقتل الحر بالحر، ولا الذكر إلا بالذكر، وقيل نزلت فى الأوس والخزرج، وكان لأحدهما تطاول على الآخر فى الكثرة والشرف، وكانوا ينكحون نساءهم بلا مهر، وأقسموا ليقتلن بالعبد منا الحر منهم، وبالمرأة منا الرجل منهم، وبالرجل منا الرجلان منهم، وجعلوا جراحاتهم ضعف جراحات أولئك، فرفعوا أمرهم إلى النبى صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية. وقيل نزلت فى حيين من أحياء العرب اقتتلوا فى الجاهلية بسبب قتيل، وكان بينهم قتلى أو حروب وجراحات كثيرة، ولم يأخذ بعضهم من بعض حتى جاء الإسلام فوجبت المماثلة، إذ تكافأ الدمان من الأحرار المسلمين أو الأحرار من المعاهدين، أو العبيد من المسلمين أو من المعاهدين، فلا يقتل مؤمن ولو عبد بمشرك ولو حرا، ولا حر ولو مشركا بعبد ولو مؤمنا ولا المرأة المؤمنة بالرجل المشرك، ولا أب بابن، ويقتل المشرك بمؤمن، والعبد بالحر، والذكر بالأنثى، ويؤدى أولياؤهما لأوليائه نصف ديته قبل أن يقتل، وقيل بعد أن يقتل، وذلك مذهبنا ومذهب مالك والشافعى وأحمد وقيل لا يرد أولياؤهما لأوليائه نصف ديته، والأنثى بالذكر، ويرد أولياؤهما لأوليائه نصف ديته قبل القتل أو بعده قولان، وقيل لا رد، وذهب أصحاب الرأى إلى أن المسلم يقتل بالذمى، والحر بالعبد، والصحيح الأول، وروى البخارى فى صحيحه عن أبى جحيقة سألت عليا هل عندكم من النبى صلى الله عليه وسلم شئ سوى القرآن وما فى هذه الصحيفة؟ قال الراوى قلت لأبى جحيفة وما فى الصحيفة؟ قال العقل وفك الأسير وألا يقتل مؤمن بكافر. وأخرج مسلم عن على نحو هذا من غير رواية أبى جحيفة، والعقل إعطاء أولياء المقتول الدية، وروى عن على أيضا أنه قال من السنة ألا يقتل مسلم بذى عهد، ولا حر بعبد، وروى الربيع، عن أبى عبيدة، عن جابر ابن زيد، عن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم
" المسلمون تتكافأ دماؤهم وأموالهم بينهم حرام وهم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم ويرد عليهم أقصاهم ولا يقتل ذو عهد في عهده ولا يقتل مسلم بكافر ولا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر "
قال الربيع تتكافأ دماؤهم أى هم سواء فى الدية والقتل، وهم يد على من سواهم، أى هم أقوى وأفضل من غيرهم، يسعى بذمتهم أدناهم، أى إذا أعطى أدنى رجل من المسلمين العهد يلزمهم ويرد عليهم أقصاهم، أى من رد العهد من المسلمين كان ردا، قال جابر إلا باتفاق الإمام وجماعة أهل الفضل فى الإسلام. وأخرج الترمذى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما، قال
" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا تقوم الحدود فى المساجد ولا يقتل الوالد بالولد "
Bilinmeyen sayfa