كما قال الكرمانى فى غرائبه الاستفهام هنا يدل على انقطاع الحروف عما بعدها فى هذه السورة وغيرها، إلا أن يقال إنه يقدر الجواب حيث لا يصلح أن يكون ما بعدهن جوابا، ويرد قول القسم أن القسم فى لغة العرب إنما هو بحرف من حروف القسم، أو بنحو حلفت أو لعمرك أو نحو ذلك، وإن قدر حرف القسم هكذا أو الألف كان فيه إضمار حرف القسم، وهو لا يجوز إلا مع لفظ الجلالة، ولو ادعى بعضهم جوازه هنا وجعل المقسم به منصوبا على نزع حرف القسم، أو مجرورا كما جاز فى لفظ الجلالة مع احتياج تقدير العاطف فى قوله لام وقوله راء وتقدير الجواب فى بعضها، وأخرج ابن جرير الطبرى عن ابن مسعود أن ذلك اسم الله الأعظم، وأخرج بن أبى حاتم من طريق السدى أنه بلغه عن ابن عباس أنه قال الم الاسم الأعظم من أسماء الله، وهكذا أمثاله، وأخرج ابن جرير وغيره من طريق على بن أبى طلحة عن ابن عباس الم وطسم وص وأشباهها قسم، أقسم الله به، وهو من أسماء الله، وأخرج ابن ماجه فى تفسيره من طريق نافع بن أبى نعيم القارئ، عن فاطمة بنت على بن أبى طالب، أنها سمعت من على يقول يا كهيعص اغفر لى، ويقول يا حم عسق، ويبحث بأن المراد يا منزل كهيعص يا منزل حم عسق، وأخرج ابن أبى حاتم عن الربيع بن أنس فى قوله كهيعص يا من يجير ولا يجار عليه.
وأخرج عن أشهب سألت ابن مالك بن أنس أينبغى لأحد أن يتشكى بيس؟ قال ما أراه ينبغى لقول الله
يس والقرآن الحكيم
يقول هذا اسمى تسميت به، وقيل أهى أسماء للقرآن كالفرقان والذكر، أخرجه عبد الرزاق عن قتادة، وأخرجه ابن أبى حاتم بلفظ كل هجاء فى القرآن فهو اسم من أسماء القرآن، وإن قلت كيف تجعل أسماء من أسماء السور أو من أسماء القرآن، والاسم لا يتركب من ثلاثة أشياء؟ قلت إنما يمتنع إذا ركبت أما إذا أسردت كأسماء العدد فلا امتناع، والمسمى هو مجموع السورة أو القرآن، والاسم جزء ذلك فلا اتحاد، والاسم مقدم من حيث ذاته، ومؤخر باعتبار كونه اسما فلا دور، وإنما قلت لا اتحاد، لأن الجزء ليس عين الكل ولا جزءه. وأخرج ابن جرير من طريق الثورى عن ابن أبى نجيح عن مجاهد الم وحم والمص وص ونحوها، فواتح افتتح الله تبارك وتعالى بها القرآن. وأخرج أبو الشيخ من طريق ابن جريج عن مجاهد الم الر المر فواتح يفتتح الله بها القرآن، قلت ألم يكن يقول هى أسماء؟ قال لا. وأخرج ابن أبى حاتم وغيره من طريق أبى الضحاك عن ابن عباس فى قوله تعالى { الم } قال أنا الله أعلم، وفى قوله { المص } أنا الله أفصل، وفى قوله تعالى { الر } أنا الله أرى، وقيل المص معانه المصور، وقيل المر معناه الله أعلم وأرى، حكاهما الكرمانى فى غرائبه. وأخرج ابن أبى حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس فى قوله الم وحم ون اسم مقطع، وأخرج من طريق عكرمة عن ابن عباس قال الر وحم ون حروف الرحمن معرفة.
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظى الر من الرحمن، وأخرج عنه أيضا المص الألف من الله، والميم من الرحمن، والصاد من الصمد، وأخرج أيضا عن الضحاك فى قوله عز وعلا فى { المص } أنا الله الصادق، وأخرج الحاكم وغيره من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس فى { كهيعص } قال الكاف من كريم، والهاء من هاد، والياء من حكيم، والعين من عليم، والصاد من صادق. وأخرج الحاكم أيضا من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فى قوله جل وعلا { كهيعص } قال كاف هاد أمين عزيز صادق، وأخرج عن ابن أبى حاتم من طريق السدى عن أبى مالك، وعن أبى صالح عن ابن عباس، وعن عروة عن ابن مسعود وناس من الصحابة فى { كهيعص } قاله مجاهد مقطع الكاف من الملك، والهاء من الله، والياء والعين من العزيز، والصاد من المصور، وأخرج عن محمد بن كعب مثله إلا أنه قال والصاد من الصمد. وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه وجها آخر عن سعيد عن ابن عباس فى قوله { كهيعص } قال كبير هاد أمين عزيز صادق، وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس قال الكاف الكافى، والهاء الهادى، والعين العالم، والصاد الصادق. وأخرج من طريق يوسف قال سئل الكلبى عن { كهيعص } فحدث عن أبى صالح عن أم هانئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
" كاف هاد أمين عليم صادق "
وأخرج ابن أبى حاتم عن عكرمة فى قوله { كهيعص } قال يقول أنا الكبير أنا الهادى العلى الأمين الصادق، وأخرج محمد بن كعب فى قوله { طه } الطاء من ذى الطول. وأخرج عنه أيضا فى قوله { طسم } الطاء من ذى الطول، والسين من قدوس، والميم من الرحمن، وأخرج عن سعيد بن جبير فى قوله { حم } قال الحاء اشتقت من الرحمن وميم اشتقت من الرحيم، وأخرج عن محمد بن كعب فى قوله { حم عسق } قال الحاء والميم من الرحمن، والعين من عليم، والسين من القدوس، والقاف من القاهر، وأخرج عن مجاهد قال فواتح السور كلها هجاء مقطوع، وأخرج عن سالم بن عبد الله قال الم وحم ون اسم الله مقطعة، وأخرج عن السدى قال فواتح السور أسماء من أسماء الرب، فرقت فى القرآن وحكى الكرمانى فى قوله قاف إنه حرف من اسمه قادر وقاهر، وحكى غيره فى قوله { ن } مفاتح اسمه تعالى نور وناصر. وهذه الأقوال راجعة إلى قول واحد هو أنها حروف مأخوذة من أسمائه تعالى، وقيل فى طه ويس يا رجل أو يا محمد أو يا إنسان، وقيل هما اسمان من أسماء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاله الكرمانى فى غرائبه ويقويه فى يس قراءة يس بفتح النون، وقوله آل يس، وقيل طه طا الأرض أو اطمئن، فيكون فعل أمر، وها مفعول أو للسكت أو بدل من الهمزة.
وأخرج ابن أبى حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس فى قوله { طه } قال هو قولك افعل، وقيل { طه } يا بدر، لأن الطاء بتسعة، والهاء بخمسة، فذلك أربعة عشر، أشار إلى البدر لأنه يتم فيها، ذكره الكرمانى فى غرائبه، وقال فى قوله { يس } يا سيد المرسلين، وفى قوله { ص } معناه صدق الله، وقيل أقسم بالصمد الصانع الصادق، وقيل معناه صاد يا محمد علمك بالقرآن، أى عارضه به فهو أمر من المصادات، أخرج ابن أبى حاتم فى قوله { ص } قال صاد القرآن بعملك واتبعه علمك، وأخرج عن الحسن { ص } حادث فى القرآن يعنى انظر فيه، يقال صاداه يصاديه، أى حادثه يحادثه، وكان يقرؤها { صاد والقرآن } أى عارض القرآن
والقرآن ذى الذكر
وقيل صاد اسم بحر عليه عرش الرحمن، وقيل اسم بحر تحيى به الموتى، وهو الماء الذى يمطر على الموتى كالمنى فيحيون ويبعثون، وقيل معناه صاد محمد قلوب العباد، حكاها الكرمانى فى قوله { المص } ، وقال معناه ألم نشرح لك صدرك، وفى { حم } أنه محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل معناه أنه { حم } ما هو كائن، وقيل { ق } جبل محيط بالأرض، أخرجه عبد الرزاق عن مجاهد، وقيل أقسم بقوة قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل القاف من قوله { قضى الأمر } دلت عليه بقية الكلمة، وقيل قف يا محمد على أداء الرسالة والعمل بما أمرت به، حكاهما الكرمانى، وقيل نون هو الحوت، أخرج الطبرانى عن ابن عباس مرفوعا أول ما خلق الله القلم والحوت، قال اكتب، قال ما أكتب؟ قال كل شىء كائن إلى يوم القيامة، ثم قرأ { ن والقلم } فالنون الحوت، والقلم القلم، وقيل اللوح المحفوظ، أخرجه ابن أبى جرير عن ابن برقرة مرفوعا. وقيل القلم حكاه الكرمانى عن الجاحظ، وقيل اسم من أسماء النبى صلى الله عليه وسلم، حكاه ابن عساكر فى مبهماته، وفى المحتسب لابن جنى، فى هذه القراءة دليل على أن الفواتح فواصل بين السور، ولو كانت أسماء الله لم يجز تحريف شىء منها، لأنها تكون حينئذ أعلاما، والأعلام تؤدى بأعيانها، ولا يحرف شىء منها، وعن ابن عباس الألف من الله واللام من جبريل والميم من محمد، أى القرآن منزل من الله بلسان جبريل على محمد عليه الصلاة والسلام، واستدل بعض للقول بأنها أسماء للسور، بأنها لو لم تكن مفهومة كان الخطاب بها كالخطاب بالمهمل، والتكلم بالزنجى مع العربى، ولم يكن القرآن بأسره بيانا وهدى، ولم يكن التحدى به ممكنا لخروج بعضه حينئذ من مقام التحدى، حاشاه، وإن كانت مفهمة فإما أن يراد بها السور التى هى أولها على أنها أسماؤها أو غير ذلك، وكون المراد بها غير ذلك باطل، لأنه إما أن يكون المراد ما وضعت له فى لغة العرب أو غيره، ولا يخفى أن ليس المراد ما وضعت له فى لغة العرب، ولا يخفى أيضا أنه ليس المراد بها غير ما وضعت له فى لغة العرب، لأن القرآن نزل بلغتهم، فلا يحمل على ما ليس فيها، فتعين أنها أسماء للسور، وذلك الاستدلال يجرى أيضا فى الرد على القائل إنها مبهمة، قال أبو بكر بن العربى فى فوائد رحلته، الذى أقوله لولا أن العرب كانوا يعرفون أن لها مدلولا متداولا عندهم لكانوا أول من أنكرها على النبى - صلى الله عليه وسلم - بلا تلا عليهم حم فصلت وص وغيرهما، فلم ينكروا ذلك، بل صرحوا بالتسليم له فى البلاغة والفصاحة مع تشوفهم إلى غيره وحرصهم على زلة، فدل على أنه كان أمرا معروفا بينهم لا إنكار فيه.
Bilinmeyen sayfa