، وقوله
فى كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون
، وأصل النسخ فى اللغة هو المعنى الأول، وحقيقة النسخ الشرعى بيان انتهاء التعبد بقراءة الآية، وبالحكم المستفاد منهما أو بهما جميعا، وقال ابن الحاجب رفع حكم شرعى بدليل شرعى متأخر عنه، ويخالف التخصيص بأن التخصيص يقع بشئ ثالث بين شيئين، والنسخ يقع بشئ على شئ أو بلا شئ، وبأن التخصيص يقع فى غير النص وفيه، والنسخ فى النص وبأن التخصيص يفيد أن العموم فى المخصص بفتح الصاد انتفاء إرادته من أول مرة، والمنسوخ مراد ظاهره ومعناه إلى وقت علمه الله علما أزليا ينتهى فيه. واختلفوا هل النسخ رفع لتعلق الحكم بالمكلف أو بيان الانتهاء أمده؟ والمختار الأول لشموله قبل التمكن من الفعل، ولا يشمله التعريف الثانى وذلك كنسخ ما زاد على خمس صلوات من الخمسين ليلة الإسراء، فإنه قبل التمكن وقيل دخول الوقت، وقد يبحث بأن التعريف الثانى شامل له أيضا لأنه لابد من وجود أصل التكليف، وإنما يتحقق بالتعلق وبيان انتهاء التعلق يصدق بانتهائه بعد التمكن من الفعل وقبله، وإذا قلنا المراد بالانتهاء انتهاء أمد المكلف به لم يرد هذا البحث، وذكر الغزالى فى المصطفى والباقلانى قبله أن الفعل إذا أمر به فى وقت واحد يجوز نسخه قبل التمكن من الامتثال وقبل وقته فلا يكون بيانا لانقطاع مدة العبادة، فليس النسخ عبارة عن انتهاء مدة العبادة، لأن بيان انتهائها إنما يكون بعد حصول المدة، فقبل حصولها يستحيل بيان انتهائها، والمراد برفع الحكم رفع الحكم الشرعى بخطاب، فخرج بالشرعى رفع الإباحة الأصلية وهى براءة الذمة المأخوذة من العقل، لكن هذا على قول المعتزلة بأن ما يحسنه العقل فهو حسن، وما يقبحه فقبيح، وخرج الرفع بما يغذر به كالموت والجنون والنسيان والغفلة والغلط، وقيل بتكليف الغافل، وصححوا هذا القول.
وقيل المنع للحائض والنفساء والجنب من القراءة والصلاة ومس المصحف من النسخ، لأن ذلك حكم، وخرج بالخطاب العقل والإجماع فلا نسخ بها، وأما قول الفخر فى مباحث التخصيص أن من سقط رجلاه نسخ غسلهما وأن ذلك عرف بالعقل فمعيب، لأنه جعل رفع وجوب الغسل بالعقل لسقوط محله نسخا، ولوجوب ما ثبت فى أول الأمر لا مشروطا بقدرة واستطاعة، وبقاء المحل ودوام الحياة وعدم الحكم عند عدم شرطه ليس نسخا، وقال فى باب النسخ لا يلزم أن يكون العجز ناسخا للحكم الشرعى، لأن العجز ليس بطريق شرعى فيناقض كلامه، والظاهر أنه أراد حقيقة النسخ إلا أن يقال جمعا بين كلامه أنه تساهل فى تسمية سقوط الغسل عند التعذر نسخا وهو تساهل بعيد، ويقر به بعض فرب أنه ذكره فى باب التخصيص، وذكر ما هو الحق فى باب النسخ، وإنما لم يثبت النسخ بالإجماع لأنه ينعقد بعد وفاته، وأما فى حياته فالحجة فى قوله ولا نسخ بعد وفاته، ولكن إذا وقع الإجماع على خلاف النص دلت مخالفة الإجماع له على وجود ناسخ هو مسند الإجماع، لكنا لم نعرفه وكذا لا تخصيص بالإجماع، لكن إذا خصص الإجماع نصا علمنا بوجود مخصص من الكتاب أو السنة ولو لم نعرفه وخرج بالخطاب أيضا الفعل فإنه لا نسخ به خلافا للتفتزانى، قيل كان وضوء الصلاة مما مسته النار واجبا ونسخ بأكله صلى الله عليه وسلم لحم شاة مسته النار ولم يتوضأ، وقد يجاب بأنه دل على نسخ سابق وليس فعله هو الناسخ، ولا يصح قول بعض أنهم تركوا ذكر النسخ بالفعل، لأنه مفهوم بالأولى لأنه أقوى من القول، لأنا نقول لا يكتفى فى التعاريف بالمفهوم ولو مفهوم الأولوية، ولأنا لا نسلم أن الفعل أقوى من القول، بل القول أقوى فى الدلالة وهو محط الكلام، والفعل أقوى فى الدلالة على الكيفية، والنسخ من قبيل القول فوصف الصلاة بفعلها والجواز عليها أدل فى بيانها من وصفها بالقول، لأن فيه المشاهدة واستفادة الوقوع على جهة معينة، ووصفها بالقول أدل فى وجوبها وصحتها وفسادها، وما شرطية جازمة لننسخ منصوبة به على المفعولية، ومن آية متعلق بمحذوف نعت لما أو حال لها، والمسوغ العموم وليست من زائدة، وآية تمييزا لما كما قال بعض. وقرأ ابن عامر ننسخ بضم النون الأولى وكسر السين من قولك أنسخت المتعدى لاثنين بالهمزة، فما على هذه القراءة مفعول ثان والأول محذوف، أى ما ننسخك أو ينسخ جبريل، أى نصيرك أو نصيره ناسخا أو من أنسخ بمعنى الأمر بالنسخ كذلك فى التعدى، أو من أنسخ من قراءة أبى عمرو يتعدى تنسخ لواحد كقراءة الجمهور، على الوجهين منها قبله يتعدى لاثنين كما مر، والمعنى عليهما أن محمدا أو جبريل صلى الله وسلم عليهما ينسخان الآية بمعنى يعلم غيره بنسخها، فجبريل يعلم محمدا بنسخها، ومحمد يعلم الناس بنسخها ومعنى قراءة أبى عمرو وقراءة الجمهور كلتيهما فى نسخ الآية وهو إزالة لفظها أو حكمها أو كليهما.
{ أو ننسها } من النسيان لكن أدخلت الهمزة ليتعدى إلى اثنين أى نجعلك ناسيا إياها بأن نمحوها من قبلك، فالمفعول الأول محذوف أى ننسيكها أو ننسيكموها، وقد قرأ حذيفة بإثباته ننسكها، وقرأ عبدالله بن مسعود ما ننسك من آية أو ننسخها، فذكر أيضا المفعول الأول وهو الكاف كحذيفة. والثانى فى قراءة ما وفى قراءة حذيفة ها وقرئ ننسها بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد السين للتعدية، وحذف المفعول الأول. وقرئ تنسها بضم التاء وفتح النون وتشديد السين مفتوحة على البناء للمفعول والخطاب، والنائب ضمير مستتر عائد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المفعول الأول، وقرئ تنسها بفتح التاء والسين وإسكان النون بينهما خطابا له صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك من النسيان تمحى من القلوب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ننسها بفتح النون الأولى والسين، وإسكان النون بينهما والهمزة بعد السين، وكذا قرأ عمر فى رواية ابن عباس، أى نؤخرها، ومعنى تأخيرها إذهابها عن القلوب بعد إذ كانت فيها. ونسب للحسن وضعفه بعض، وقال إنه لا مفعول عليه أو عدم إنزال حكمها أو تركها فى اللوح المحفوظ، وزعم بعض أن معناه ترك نسخها، ونسب لابن عباس ويرده قوله { نأت بخير منها أو مثلها } إلا أن يقال بتكلف الإتيان بخير منها أو مثلها لا يستلزم إذهابها، بل يحتمل إبقاؤها، وقيل معناه إذهابها بلا بدل من معناها، بل ببدل من غيره، كآية الزكاة أو قطع اليد بآية الرجم، والصحيح عصمته صلى الله عليه وسلم من نسيان الشرع قبل تبليغه إلا ما أريد نسخه قبل تبليغه، والظاهر أنه جائز، وإذا بلغ لواحد من أصحابه جاز نسيانه صلى الله عليه وسلم
" وقد أسقط فى الصلاة آية، ولما فرغ من الصلاة قال " أفى القوم أبى "؟قال نعم يا رسول الله. قال " فلم لم تذكرنى؟ " قال حسبت أنها رفعت، فقال، صلى الله عليه وسلم " لم ترفع، ولكنى نسيتها "
وفى الآية رد على اليهود إذ أنكروا النسخ، وكذا أنكره المشركون، وقالوا هم أو اليهود أو كلهم إن محمدا يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا ما يقول إلا من تلقاء نفسه، كما قال الله علا شأنه وعظمت آياته
وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل..
الآية فنزل { ما ننسخ من آية أو ننسها.. } الآية. وأقول بدل على ثبوت النسخ أن الله عز وعلا حرم عليهم العمل فى يوم الجمعة، فاختاروا السبت فحكم عليهم به، أو حرم فى يوم عموما عليهم فعينوا السبت إذ وكل الأمر إلى اختيارهم، أو حرم عليهم السبت خضوعا وتعيينا، ولم يحرم على من قبلهم يوم من ذلك، وأن الله عز وعلا أحل لنوح حين خرج من السفينة، لمن معه ولذريته كل دابة ولم يحرم عليهم الخنزير، ثم حرم يعقوب على نفسه الجمل، فكان حراما، وحرم على اليهود كل ذى ظفر وشحوم البقر والغنم إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم، وأن الله جل وعلا أحل للأخ نكاح الأخت على عهد آدم عليه السلام وحرم بعد قال
أو ما حرم الإله نكاح ال أخت بعد التحليل فهو الزنا
Bilinmeyen sayfa