وسئل بعض السلف عما يقول المذنب، فقال ما قاله أبواه
ربنا ظلما أنفسنا...
الآية. وما قاله موسى
رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى
وما قاله يونس
لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين
وقيل إن الله تعالى أمر آدم بالحج وعلمه أركانه، فطاف بالبيت سبعا، وهو يومئذ ربوة حمراء، ثم صلى ركعتين، ثم استقبل البيت، وقال اللهم إنك تعلم سرى وعلانيتى، فاقبل معذرتى. وتعلم حاجتى فأعطنى سؤلى، وتعلم ما فى نفسى فاغفر لى ذنوبى. فأوحى الله إليه يا آدم قد غفرت لك ذنوبك. وقيل إن الله تعالى أنزل ياقوتة من ياقوت الجنة، ووضعها على موضع البيت على قدر الكعبة، لها بابان باب شرقى، وباب غربى. وفيها قناديل من نور، ثم أوحى الله تعالى إليه إن لى حرما بحيال عرشى، فأته فطف به كام طاف حول عرشى. وصل عنده كما يصلى عند عرشى، فهناك أستجيب دعاك، فانطلق آدم من أرض الهند إلى أرض مكة لزيارة بيت الله، وقيض الله تعالى له ملكا يرشده، فكان كلما نزل موضعا وضع عليه قدمه صار عمرانا، وما تعداه صار مفاوز وقفارا، فلما وقف بعرفة وكانت حواء تطلبه وقصدته من جدة، فالتقيا بعرفة يوم عرفات، فعرف كل منهما الآخر فسمى عرفات. فلما انصرف إلى منى قال لآدم تمن، قال. أتمنى المغفرة والرحمة، فسمى ذلك الموضع منى، وغفر ذنبهما. وقبل توبتهما ثم انصرفا إلى الهند. قال مجاهد حدثنا ابن عباس أن آدم عليه السلام حج من الهند أربعين حجة على قدميه، فقيل لمجاهد يا أبا الحجاج ألا كان يركب قال وأى شئ كان يحمله، فوالله إن خطوته مسيرة ثلاث أيام. وهذا قبل أن يقصر إلى ستين ذراعا فى قامته. وقال ابن عمر لما حج آدم - عليه السلام - البيت وقضى المناسك كلها، تلقته الملائكة يهنئونه بالحج وقبول التوبة، فقال برحجك الله يا آدم، فدخله من ذلك شىء، فلما رأت الملائكة ذلك منه، قالوا يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألف عام، فتقاصرت إلى آدم نفسه. وقيل الكلمات ثلاثة أشياء الحياء والدعاء والبكاء. وأصل الكلمة الكلم بفتح الكاف وإسكان اللام وهو التأثير بالمعنى المصدرى الذى يدرك بالسمع ما يتحصل عنه، وهو نفس الصوت الملفوظ به، ويدرك بالعين ما يتحصل منه، كالجرح بضم الجيم وهو موضع الضرر الحاصل من الجرح بفتحها. { فتاب عليه } رجع عليه بالرحمة وقبول التوبة بسبب تلقيه الكلمات. كما دلت عليه الفاء، وذلك أنهن كلمات تضمن الاعتراف بالذنب والندم عليه والعزم على عدم العود إليه، لما رأى من ضرره وحجبه عن الله، والتوبة الرجوع، فتوبة الله على عبده رجوعه عليه بالرحمة، وقبول ندمه، وتوبة العبد رجوعه عن الذنب والندم عليه، والعزم على عدم العود إليه.
وحواء مشاركة لآدم فى التوبة والتلقى بالإجماع، وخصه بالذكر فى التلقى والتوبة لأنه المخاطب فى أول القصة، فكملت القصة بذكره وحده، ولأن المرأة حرمة مستورة، فأراد الله الستر لها، ولذلك لم يذكرها بالمعصية فى قوله
وعصى آدم ربه
ولأن حواء تبع له فى الحكم، ولهذا طوى ذكر النساء فى أكثر القرآن والسنة. { إنه هو التواب } كثير الرجوع وعظيمه على عباده بالرحمة، وقبول ندمهم عن الذنب والمغفرة، وترك العقاب والإعانة عن الندم والتوفيق إليه. { الرحيم } كثير الإنعام وعظيمه عليهم، وفى الجمع بين التوبة والرحمة بصيغة التأكيد وعد عظيم للتائب بالإحسان والعفو، وإشارة إلى أن التوبة على العبد نعمة من الله - تعالى - لئلا يعجب بتوبته كما أن سائر طاعته نعمة من الله تعالى، بل الواجب عليه الشكر.
Bilinmeyen sayfa