من واقع سنواته الست التي قضاها في العمل لدى إدارة الشئون الداخلية، آخر سنتين منها بوصفه مدققا مستقلا، كان جونزاليس يعلم قدرا لا بأس به من المعلومات عن فريدريك لويس تراينور، رئيسه في العمل. كان تراينور يمتلك ثروة انتقلت إليه من عائلته وكانت تكفي لتغطية أقوى مظاهر البذخ، ولم يكن ثمة شيء آخر يتوق إليه سوى هذه السلطة التي تكفي أبسط لمساتها لتغيير شكل حياة الناس. ومن موقعه كرئيس لإدارة الشئون الداخلية، وهي واحدة من أقوى إدارات سينتراكس نفوذا، كان يخطط للارتقاء إلى مجلس إدارة سينتراكس؛ إذ كان يريد أن يكون واحدا من الأشخاص العشرين الذين تجاوزوا نطاق التفاوض والتنازلات، الذين كانت أحلامهم أوامر، ونزواتهم أمرا واقعا.
في الحقيقة، كان تراينور قد حقق بالفعل مكانة مميزة تخول له، إن أراد، ألا يكون له وجود. كان منزله وأرضه يشغلان قطعة من الساحل الشمالي لبحيرة تاهو؛ حيث كان هناك وجود لفندقي قمار وقسم من طريق الولاية السريع. أزيل الفندقان وجرى تحويل الطريق السريع. أصبحت أرضه الآن محاطة بسور ارتفاعه أربعة أمتار من الصلب الأسود المضلع، مزود بأجهزة إنذار وتنصت، وتجوبه الروبوتات في دوريات. لم تكن الضيعة تظهر في أي خريطة أو سجل شراء أو ملكية أو ضرائب، كما لم يكن لصاحبها بالمثل أي أثر في هذه السجلات.
حين خرج جونزاليس من الطائرة على الامتداد الشاسع للعشب الأخضر، كان تراينور ينتظر كي يقابله. كان رجلا قصيرا بدينا، وكان جلده شاحبا. كان شعره المتناثر متجمعا في كتل متغضنة على رأسه. وكان يرتدي في قدميه خفا أسود طريا، ويرتدي رداء حريريا مطرزا، ألوانه أخضر وأزرق وأبيض وأحمر، منقوشا على صدره وظهره تنانين واثبة. كان ينظر إلى نفسه باعتباره باريوني الطباع - غريب الأطوار ومثيرا للاهتمام وبه لمحة من العبقرية - لكن في نظر جونزاليس وكثيرين غيره كان يبدو نزق الطباع ومنغمسا في الملذات لا أكثر.
فتح تراينور ذراعيه وقال: «ميخائيل.» مشددا على كل مقطع من مقاطع الاسم الثلاثة، وناطقا إياه بصورة صحيحة، ثم عانق جونزاليس عناقا سريعا. بعد ذلك تراجع تراينور خطوة إلى الوراء ونظر إليه وقال: «أنت لا تبدو في حال سيئة للغاية.» «ألهذا السبب أتيت بي إلى هنا، كي تنظر إلي؟»
هز تراينور كتفيه وقال: «لهذا السبب، ربما، وأيضا كي أتحدث معك عن مهمتك التالية. كما أنك تروق لي.»
افترض جونزاليس أن تراينور كان معجبا به بالفعل، بطريقته الخاصة كرئيسه في العمل وكرجل ثري. وعلى وجه التحديد، بدا أن ما يروق له هو حقيقة أن جونزاليس لم يكن منبهرا بمظاهر البذخ السطحية لما يمتلكه من مال وسلطان.
ذات مرة قال له تراينور: «أصل طيب. هذا هو سرك: اختلاط الدم النبيل بدم العامة.» كان ميخائيل جونزاليس ذا أصول عرقية مختلطة بالفعل؛ إذ كان له أصول يهودية روسية وهسبانية من لوس أنجلوس من جهة الأم، وأصول سوداء من شيكاجو وكوبية من ميامي من جهة الأب. وكان له أسلاف من العبيد وعمال الحقول والبرجوازيين المناهضين للثورات، علاوة على فنان ومهرب ومحتال.
لكن بصرف النظر عن أصله أو خبراته السابقة، فقد تعين عليه أن يتحمل قدرا كبيرا من الهراء المتعالي السمج من طرف تراينور، كما كان يتعين عليه أن يتحمل تراينور ذاته عموما؛ لأن الرجل كان فاحش الثراء وذا نفوذ وكان رئيسه في العمل، ولم ينس أيهما ذلك.
سار الاثنان نحو المنزل المواجه للبحيرة عند الطرف القصي للمرج، وكان منزلا كبيرا فخما، ربما كان من شأن مهندس معماري يتقن عمله لدرجة الكمال أن يشيده في القرن الثامن عشر من أجل سيد صبور وينشد الكمال بالدرجة عينها. يتفرع من المركز الذي تعلوه قبة ذهبية ثلاث أجنحة من الحجر القشدي اللون، وكان المنزل كله مشيدا على طراز هندسة باديو الجديدة المتحفظ الذي لا يسرف في استخدام المواد الخام، فلا وجود لتركيبات خرسانية بلون الفوم، بل مجرد الحجر الرملي القمحي والقشدي اللون والرخام الوردي الذي يفصح عن الثراء والذوق الرفيع.
صعدا سلما رخاميا ودخلا المنزل، وعبرا تحت القبة الداخلية التي تعلو البهو المركزي؛ حيث تتصل أجنحة المنزل الثلاثة. سارا في رواق مكسو بالخشب الداكن، تعلوه جدران وسقف قشدي اللون.
Bilinmeyen sayfa