Böyle Yaratıldı: Uzun Bir Hikaye
هكذا خلقت: قصة طويلة
Türler
وأجبتها: «ذلك ما سأحدث عمك فيه، فأنا لا أستطيع أن أبقى هنا أو أعود إلى هناك بغير إذنه، وسأكشف له عن مكنون صدري، ولا مرد بعد ذلك لحكمه.»
وأدركت ابنتي من عبارتي أنني أريد أن أخلو إلى عمها أحدثه فانسحبت متلطفة وقالت: أنا ذاهبة إلى مخدعي، فلتمسيا بخير. ورددنا تحيتها بمثلها.
فلما خلونا قال زوجي: «أخشى أن يكون حوارك مع ابنتك قد أجهدك وجعلك في حاجة إلى الراحة، فإن شئت تحدثنا عن عودك إلى القاهرة بعد صلاة الفجر.»
وأجبته: «الأمر على عكس ما تظن، فقد أيقظ هذا الحوار كل حواسي، وأطار كل خاطر للنوم من رأسي، فإن لم تكن أنت بحاجة إلى الراحة فإني مفضية إليك بذات نفسي، أما إن آثرت أن تستريح فأنا وما تريد.»
وآثر هو أن يستريح فنمت بجواره، وألصقت جسمي بجسمه، وشعرت بالدفء يسري منه إلى كل وجودي، ويبعث إلى قلبي من الطمأنينة ما سكن من يقظة أعصابي وهفا بي إلى النوم، واستيقظت مع الفجر وأيقظته، وصليت مؤتمة به، فلما فرغنا من صلاتنا ومن دعائنا قال: «ألا ترين أنك تظلمينني إذا بقيت هنا وتركتني أعود إلى القاهرة أعاني الوحدة وآلامها، إنني أدرك بعد الأيام التي أقمتها بالمدينة حلاوة هذه الحياة التي تحيينها، تقضين معظم نهارك وطرفا من الليل في الحرم على مقربة من الرسول الكريم، وكم تمنيت لو استطعت أن أجاوره كما تجاورينه، لكنك تعلمين أن مصالحنا بمصر تحول بيني وبين هذه الأمنية العزيزة، ولك علي إن أردت أن تحجي كل عام وأن تزوري أن أعاونك على ذلك، وأن أصحبك فيه كلما استطعت إلى صحبتك سبيلا.»
قلت وقد ازداد قلبي رقة لهذا الرجل المحسن الكريم: «عزيز علي أن أدعك تعاني الوحدة في مصر وأنت الذي أنقذتني منها، وكم نازعتني نفسي إلى العود معك، ولو أننا تحدثنا في هذا الأمر يوم مقدمك إلى هنا لهفت نفسي إلى ما تريد، فقد كنت أشعر يومئذ أني بلغت من تطهير قلبي إلى ما يديم علي حال الرضا التي أكرمني الله بها، لكن الأيام التي قضيتها معي هنا أرهفت حسي نحوك، وجعلتني أشعر لك في أعماق قلبي بما لم أشعر من قبل بمثل بأسه وسلطانه، نعم، إني أحبك الآن حب امرأة لرجل، فجسمي يهواك كما يحبك قلبي، وأخشى أن ينسيني هذا الحب وهذا الهوى محبة غيرك ممن خلق الله، وما خلق الله، فإن حدث ذلك - وشد ما أخشى أن يحدث - زالت عني حال الرضا، وعدت أعاني من حساب الضمير عن ماضي حياتي ما أنوء به. قد يكون هذا الحب العنيف من نزغ الشيطان، وقد يكون اختبارا يريد به ربي أن يبلوني، وأن يشهدني على ضعف نفسي وباطل غروري؛ إذ أظن أنني سموت إلى مرتبة رضاه وروحي لا تزال تتجاذبها الأهواء، ويختلط فيها الخبيث بالطيب، فهل لي أن أرجوك - وأنت الزوج المحسن الكريم - أن تدعني هنا أتابع ما بدأته من تطهير قلبي حتى أطمئن إلى نقائه؟ ولعلك إن عدت للزيارة في شهر رجب ألفيتني في طاعة الله وطاعتك سباقة إلى مرضاتك!»
كنت أنظر إليه وأنا أخاطبه بعينين ملئتا عطفا ومحبة، ثم كنت أراه مع ذلك مشدوها كأنما أخاطبه بلغة غير مفهومة، وقد ظل بعد أن فرغت من حديثي تعلوه الدهشة، وكأنما يريد أن يتبين ما أريد فلا يسعفه ذكاؤه، وبعد برهة ساد فيها بيننا الصمت قال: «أصدقك أنني لم أفهم كل ما قلته، لكنك ذكرت أنك أصبحت تحبينني الآن حب امرأة لرجل، أوأفهم من ذلك أنك لم تكوني تحبينني قبل أن تحضري إلى المدينة؟» وسارعت فأجبته: «لا تبالغ يا عزيزي، ولا تحمل ما قلته معنى لا يحتمل، إنما قلت إنني أحببتك منذ جئت إلى هنا حبا لم أشعر من قبل بمثل بأسه وسلطانه، ولا أخالك تريدني على أن أقص عليك قصة عاطفتي نحوك من قبل فأنت تعرفها، وتعرف ما كان من حديث بعضهم عنها، وكل الذي أرغب إليك فيه ألا تأخذك النشوة بحبي إياك اليوم، وأن تدعو الله معي أن يديم علي هذا الحب سلطانه من غير أن يحبسني في سجنه، وأن يدع قلبي مفتوحا لحب كل ما خلق ومن خلق حتى يدوم لي عفوه عني، فأبقى في حال الرضا التي أنعم بها علي.»
لم يدعني الرجل أستطرد في الحديث، بل قال: «بل أريد أن تقصي علي قصة عاطفتك نحوي؛ فذلك أدنى لفهمي، وأحب إلى نفسي.»
قلت: «أتراك راجعك شبابك يوم كنت تريد أن تتزوج صديقتي؟ ولكن لا بأس بأن أجيبك إلى ما يرضيك، أنت تعلم أنني عرفتك أول ما عرفتك الصديق الوفي لزوجي الأول، كما كنت الصديق الوفي لصديقتي، كنت يومئذ أستريح إلى مجلسك، وآنس بحديثك، وأغتبط بحسن إصغائك إلى حديثي، فكنت إذا جئت إلينا سررت بلقياك، وحرصت على استبقائك عندي أطول زمن ممكن، فلما أشركت زوجي الأول معك في معاونة صديقتي على استخلاص ميراثها لم أجد بذلك أول الأمر بأسا، لكنكما بالغتما من بعد في عنايتكما بهذا الأمر مبالغة أثارت نفسي بكما، وأقنعتني بأن جمال صديقتي، لا الوفاء لأولادها أو لذكرى زوجها، هو الذي يدفعكما إلى هذه المبالغة، ولقد كدت - لمبالغة زوجي الأول ولكثرة تردده على صديقتي - أحملك أنت التبعة؛ لأنك شجعته على هذه المعاونة، ودفعته إليها، فلما أردت أن تتزوج صديقتي عرضت لي فرصة نادرة للانتقام منك ومنها فأفسدت هذا الزواج، ومرضت أنت بعد ذلك، واستبد بك المرض فتولاني الندم على ما فعلت، وبدأت عواطفي نحوك تحرك قلبي، وازدادت هذه العواطف حين أكدت لي غير مرة أنك لن تتزوجها، وحين انقطعت كل صلة بينك وبينها، على حين بقي زوجي متصلا بها، وبدأ العطف إذ ذاك يشوبه الود وإن لم ينقلب حبا؛ لأننا وقفنا صفا واحدا، تنكر أنت على صديقتي التي قاطعتني وأذاعت أنني أفسدت زواجها منك لأتزوجك، ولا أحب أنا زوجي؛ لأنه أبقى على ود صديقتي التي قاطعتني وطعنت علي. وتضاعف ودي لك بعد أن هدك المرض بسبب فعلتي، وإنك واسيتني في محنة احتضار حبي لزوجي مواساة استراح لها قلبي، فاعترف بجميلك، وأقر في أعماقه بعظيم فضلك، وازددت أنا إقرارا بهذا الفضل حين حاولت أنت غير مرة أن تعيد الصفاء بيني وبين زوجي وفاء منك لصداقته، مع يقينك إذ ذاك بأنك تحاول المستحيل.
من يومئذ وقفت إلى جانبي فخففت عني عبء عزلتي بعد أن انتقلت إلى الإسكندرية، ثم إنك أقنعت زوجي فطلقني فضاعف ذلك ودي لك، فلما رأيتني أضطرب في حياتي الجديدة كما تضطرب الخشبة الضئيلة ألقي بها في لج البحر المتلاطم، مددت يدك إلي فأنقذتني وتزوجتني غير عابئ بإثم الظن وقالة السوء! يومئذ غمرني فضلك؛ فأصفيتك كل قلبي، فلم يبق لك من شريك فيه غير ولدي، وزاد ملكك هذا القلب حين اعتبرتهما ولديك، وبقينا من بعد ذلك السنين وأنا في رحاب فضلك، منسوبة أنا وولداي إليك، نعيش في ظل عطفك وسابغ برك، فلما ارتد ولداي فتسميا باسم أبيهما تصارع في قلبي حبي إياك وحبي إياهما، فهرعت إلى البلد الأمين لائذة بربي لاجئة إلى حماه، وأقمت في هذه الأرض المقدسة أدعو الله وأتوب إليه وأستغفره حتى اطمأن قلبي إلى أنه غفر لي وعفا عني، ومحا بفضل منه ما سلف من ذنوبي، عند ذلك شعرت بأن قلبي وروحي عاودهما شبابهما، وانفتحت لهما صفحة جديدة مبرأة من الذنوب، فلما جئت أنت إلى هنا أحسست بهذا الشباب ينتقل من قلبي، بفضلك وجميلك انقلب حبا جارفا، حب امرأة لرجل، بل عشق فتاة لشاب، عند ذلك أيقنت أن هذا الحب لم يكن وليد يومه، وأنه لم يكن حبا من أول نظرة كما يقولون، بل نشأ منذ عهد بعيد نطفة، ثم مضغة، ثم علقة جعل ينمو حتى بلغ اليوم فتوة شبابه، ولقد كنت أسمع ولا أصدق أن حب الكهولة أعنف الحب، وهأنذي اليوم وقعت في براثنه بعد أن عشش في قلبي وأفرخ، وبعد أن حملته في قلبي كل هذه السنين كما تحمل المرأة طفلها في أحشائها تسعة أشهر، فإذا وضعته نسيت كل شيء، بل نسيت حياتها من أجل وليدها، وأكرر الآن أنني أخشى أن يبلغ من طغيان هذا الحب علي أن يحبسني في سجنه، وأن ينسيني محبة ما خلق الله ومن خلق؛ ولذا أعود فأرجوك باسم هذا الحب أن تدعني هنا أتابع ما بدأت من تطهير قلبي حتى يسع إلى جانب حبك حب خلق الله؛ لأنه وسيلتنا إلى محبة الله ودوام عفوه وعطفه، فإن أذنت - ولا أخالك إلا آذنا - أسديت لي يدا تنفعني وتنفعك عند ربي، فإذا عدت بعد ذلك يوما إلى القاهرة عدت بريئة مطهرة، وكنت النفس المطمئنة التي تطمع في أن يدخلها الله في عباده، وأن يدخلها جنته.»
Bilinmeyen sayfa