Böyle Yaratıldı: Uzun Bir Hikaye
هكذا خلقت: قصة طويلة
Türler
واستيقظت لصلاة الفجر وأنا أسائل نفسي عن سر ما رأيت في نومي، ثم ذهبت بعد أن أسفر الصبح ألتمس الأستاذ الذي يحاضر الناس في الحج فقصصت عليه حالي، وكيف اطمأنت نفسي وبلغت من الرضا غاية ما أطمع فيه، ورغبت إليه أن يفسر لي ما طاف بي وأنا مستغرقة في نومي، فقال: «إنه من الوضوح يا سيدتي بما لا يحتاج إلى تفسير، فمن أنعم الله عليه فبلغ مثلك حال الرضا يجب أن يطهر قلبه، وأن يطهر عقله الباطن من كل موجدة على أي إنسان، وأن يغفر للناس خطاياهم كما يطمع في أن يغفر الله له خطاياه، ولا يزال قلبك واجدا على هذه السيدة، ولا بد لك إن شئت لحال الرضا أن تدوم أن تطردي هذه الموجدة من قلبك ومن ذاكرتك، ليكون تجردك لله خالصا صادقا مصدره حب الناس جميعا، والمغفرة لكل مخطئ، والاستغفار عن كل خطيئة، ومن أتم الله ذلك له دام له الرضا في الدنيا وفي الآخرة.»
وتخطيت فناء الحرم والدمعة تنحدر من عيني، ووقفت في مقام إبراهيم ورفعت يدي إلى السماء، وهتف قلبي: «ما أكرمك ربي! أجديرة أنا بكل هذه العناية؟ أم أن أعظم الناس ذنوبا أدناهم إلى عفوك وبرك؟ رب إني لأشعر في أعماق روحي بأن قلبي لا يزال في حاجة إلى أن يتطهر ليكون خليقا بأن يسمو إلى حضرتك، ويشرف بالمثول في مقامك الكريم.»
وطال وقوفي وابتهالي إلى الله ودعائي إياه أن يهبني القدرة حتى يتطهر قلبي ووجداني ليدوم لي رضاه عني، فلما أتممت ابتهالي جلست مع الجالسين في مقام إبراهيم، حتى إذا سكن روعي وهدأت نفسي وعاودتني طمأنينتي قمت فصليت، ثم طفت بالكعبة، ثم انتحيت جانبا قريبا من باب الصفا، هنالك ذكرت ما رأيت في نومي، فقمت فسعيت بين الصفا والمروة، وتلوت ما ألقي علي أن أتلوه وأنا أسعى، وسمعت المؤذن ينادي لصلاة الظهر وأنا في آخر أشواط السعي، فدخلت الحرم من جديد فصليت وراء الإمام، ثم انصرفت إلى مسكني.
وشعرت حين خلوت إلى نفسي بأنني خلوت إلى حال جديدة من حالات نفسي، فلا بد لي إن أردت أن يديم الله ما أنعم علي من حال الرضا، أن أمحو كل موجدة من قلبي، وأن أحب الناس جميعا، وأن تكون محبة كل ما خلق الله شعاري ليشرح الله لي صدري، ويرفع عني وزري، فتطمئن نفسي وأرجع إلى ربي راضية مرضية، أتراني أستطيع أن أفعل؟ ذلك ما ابتهلت فيه إلى الله ليهبني القدرة عليه، والله سميع مجيب.
فلما كان المساء وصليت العشاء الآخرة نشرت صحيفتي أمام بصيرتي راجية أن يمحو الله منها كل شائبة من وزر أو شبهة من هوى، وقرأت في هذه الصحيفة أول ما قرأت ما كرره لي زوجي الأول من أن الغيرة والغرور هما مصدر علتي، وسبب ما أرهقته وأرهقت نفسي وولدي به من متاعب وبلاء، وسرعان ما تيقنت أنه - رحمة الله عليه - كان ثاقب النظر، وأن غيرتي وغروري جسما أنانيتي فصرت لا أرى غير نفسي، وأفرغت كل ما في نفسي من حب على هذه النفس الأمارة بالسوء، ولولا أمومتي وحبي ولدي - وهما بعض نفسي - لأنكرت الحب، وأنكرت كل ما يتصل بالحب من عواطف، فأنانيتي هي التي دفعتني للغيرة من صديقتي لأنني لست جميلة جمالها، ولست فاتنة فتنتها، وأنانيتي هي التي دفعتني للاغترار بنفسي والإيمان بذكائي وسحر حديثي، وإيثار من يؤمنون بهذا الذكاء وهذا السحر، فيدفعهم إيمانهم إلى الإعجاب بهما وإنكار ما سواهما، وأنانيتي هي التي جعلتني كذلك أسيرة نفسي فأذلتني لها، وضربت حولي نطاقا من سجنها وحالت دون تبادلي مع الناس جميعا أكرم العواطف، فلو أنني محوت بفضل من الله أنانيتي أو تغلبت على الأقل عليها، لحطمت جدران سجني، ولخرجت من عزلتي، ولأحببت كل ما حولي ومن حولي، ولتطهر قلبي ودامت علي نعمة الرضا من ربي.
وجاهدت منذ ذلك اليوم نفسي، فلم أكن أرى في الحرم امرأة تبدو عليها مظاهر الهم والألم إلا سكبت فيها من روحي ما يزيل همها وألمها، سواء علي عرفتها أم لم أعرفها، ولم أكن أسمع أنة مريض أو مكلوم القلب حتى أخف لشفاء مرضه أو لشفاء قلبه، ولم أكن أشعر بأنانيتي تتحرك فيما استبطن من أعماق وجودي حتى أقطب جبيني لها، وأردها إلى أعماق سجنها، بذلك صرت أفرح لأفراح الناس ممن حولي، وأتألم لآلامهم؛ ولذلك رجوت أن يشفيني الله من علتي، وأن يقبل بفضله خالص توبتي.
وجاء موعد الحج فقضينا مناسكه: صعدنا إلى عرفات نلبي داعي ربنا ونشهد بوحدانيته لا شريك له، وأن الحمد والنعمة والملك له تعالت أسماؤه، وهناك ابتهلت إليه ودعوته لكل من رغب إلي أن أدعو الله ليبارك عليه وليهديه ويغفر له ويرحمه، وكان أحر دعائي لولدي أن ينجيهما الله من شر نفسيهما، ومن الوقوع في مثل آثامي، وإلى والدي أن يجزيهما الله بما أحسنا إلي، وإلى زوجي أن يبلغه الله مراتب الرضا، وإلى الطيف الملتف في أكفانه زوجي الأول أن يثبته الله وأن يسكنه الجنة جزاء عفوه عني برغم ما أسأت إليه، ودعوت الله كذلك إلى الأقربين من أهلي وذوي رحمي كل باسمه، وإلى الناس جميعا أن يرفع الله عنهم مقته وغضبه، وأن يديهم سواء السبيل.
وآن لنا بعد أن طفنا طواف الوداع وسعينا سعيه أن نذهب إلى مدينة الرسول - عليه السلام - وأنا أرجو أن أظل في رحابها حتى يقبضني الله إليه بها، وأن أدفن في ترابها.
لا قدرة لي على تصوير شعوري حين أهلت المدينة وطالعتنا أعاليها ونحن منها على مدى النظر، لقد كانت عمتي تحدثني بعد حجها أنهم لما شارفوا المدينة رأوا النور يتلألأ فوق القبة الخضراء من قباب المسجد النبوي، أما أنا فلم تر عيني حين شارفت المدينة إلا ما يراه من يقبل على أية مدينة في العالم، وكنت كلما اقتربنا منها ووضحت معالمها وتبينا قبابها تمنيت لو كانت أدق نظاما وأحسن عمارة، وكذلك كان شعوري منذ دخلتها، ولا يزال هذا الشعور آخذا بنفسي إلى اليوم، ولا أزال أدعو الله في صلواتي أن يهيئ لها من يحسن عمارتها، ومن ينهض بكل مرافقها إلى مستوى الحضارة في أرقى صوره.
لم تر عيني حين شارفت المدينة نورا يتلألأ فوق القبة الخضراء، لكنني أحسست بقلبي يملؤه النور أول ما علمت أننا نقترب من قبر الرسول الكريم، وقبل أن تطالعنا قباب مسجده، وانتشر النور من قلبي في كياني كله، وأعاد إلى ذاكرتي كل صفحة من حياة النبي العربي قرأتها قبل حجي، ولعل هذا النور الذي أضاء روحي وانتشر في كل وجودي كان ينتقل من قلب عمتي وأمثالها إلى أبصارهم فيرونه متلألئا فوق القبة الخضراء، ولا تخالج نفوسهم إثارة ريب في أنه منبعث من قبر الرسول الكريم الكائن تحتها، والإيمان ينير البصائر كما ينير القلوب، فترى الأبصار بفيض من قوة هذا الإيمان ما لا نرى، وتقص صادقة ما لا ريب عندها في أنها رأته رؤية مادية كما رأت القبة الخضراء نفسها.
Bilinmeyen sayfa