Böyle Yaratıldı: Uzun Bir Hikaye
هكذا خلقت: قصة طويلة
Türler
وظل الرجل صامتا كأني لا أزال أتكلم، وكأنه لا يزال يسمع، فلما فطن إلى سكوتي التفت إلي وقال: «يبدو لي يا سيدتي أنك اتخذت في الأمر قرارا لا سبيل إلى الرجوع فيه، فقد فرضت كل الفروض وأجبت عليها جوابا لا يحتمل المناقشة، ولعلي لو قلت لمطلقك إنك سامحته وصفحت عنه فيما لعله فرط منه أرضاه ذلك وطمأنه، ولعله يزداد اطمئنانا حين أذكر له أنك تريدين أن يغفر لك كما غفرت له، وأن يسامحك كما سامحته، ولكني شد ما أخشي أن يبقى يعذبه ضميره إذا عرف أنك سامحته عن نفسك وأبيت أن تسامحيه عن ولديكما، أنا أفهم ما تقولين من أن أمرهما ليس لك، وأنهما هما اللذان يملكان مسامحته يوم يكبران، وهو لا ريب يفهم ذلك كما أفهمه، ولكنه يطمع في ألا يكون قلبك غاضبا عليه من أجلهما، أفأستطيع أن أبلغه ذلك؟ فلو أنني فعلت لسهل ذلك علي التماس العذر من عدم ذهابك إليه، ولا أحسبك تأبين علي ما أطلب من ذلك وأنت تعلمين أنه لم يبعثر ماله في ترف لنفسه، أو في عبث مما يتلهى المسرفون به، كما أنك تعلمين أنه لو استطاع أن يضاعف ثروته لما أقعده دون مضاعفتها من طريق شريف أي اعتبار.»
قلت: «عزيز علي يا سيدي أن أرفض لك مطلبا في مقدوري إجابته، ولو أنني كنت امرأة واسعة الثراء لأجبتك إلى ما تريد، ولجعلت لولدي من مالي ما يغنيهما عن ميراث أبيهما، أما وليس لي هذا الثراء فلا بد أن يكفلهما غيري، فكيف يرضى قلبي عن بقائهما عالة على الغير وقد ألفا منذ مولدهما حياة النعيم؟! فإن يكن أبوهما قد أضاع ماله مضطرا فإن الله وحده هو الذي يغفر له؛ فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه. أما إن كان قد أضاع ما يملك في غير ضرورة فالله يتولى جزاءه، إن شاء غفر له وإن شاء لم يغفر، ذلك غاية ما أستطيع قوله، ولعلك تراني منصفة فيه كل الإنصاف.»
لم يجد الرجل ما يجيبني به، ولم يطمع في إقناعي بتعديل قراري، فاستأذن وانصرف مشكورا.
ولست أدري على أي وجه أبلغ حديثنا لمطلقي، ولكنني علمت من بعد أن هذا المريض المسكين حز في نفسه أن أبيت زيارته، وأن تراخت زيارة ولديه له، وإن كان لا يراهما حين يذهبان إليه إلا لحظات لا تغني ولا تروي ظمأ ظامئ.
مع ذلك استطال من بعد مرضه حتى رحمه شانئوه، وحتى كان أحباؤه يتوجهون بالدعاء إلى الله أن يريحه بالموت من عنائه، وفي الأيام الأخيرة من شهر نوفمبر من تلك السنة أبلغت أنه مات، فترحمت عليه، وقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون.
هدأت نفسي حينا بعد وفاة مطلقي، وخيل إلي أن الموت حسم ما بيني وبينه إلى الأبد، وأقام ستارا كثيفا حجب عني ماضيا ذقت فيه غصصا وآلاما، وتوهمت أن في مقدوري أن أنسى هذا الماضي فلا يبقى له في ذاكرتي ولا في أي مظهر من مظاهر وجودي أثر، وهل شيء كالنسيان ينقذنا مما نود أن نتخلص منه، ويتيح لنا أن نكيف ماضينا على ما نريد، لننعم بما يحويه من خير وإن قل، ونجسم هذا الخير ونمجده، ونمحو ما أصابنا فيه من بأساء وكأنها لم تكن، ونزيف بذلك لأنفسنا تاريخها كما تزيف الأمم تاريخها؟!
وأول ما دار بخاطري، لأجعل هذا الذي توهمت حقيقة واقعة، ولأمحو من ذاكرة الوجود أنني كان لي زوج قبل زوجي الذي يحبني اليوم من كل قلبه، أن أنسب ولدي إلى هذا الزوج الثاني وأمحو نسبتهما إلى أبيهما الذي أنجبتهما منه، ولم يكن ذلك عسيرا والقانون يبيح تغيير الأسماء إذا اتخذت لهذا التغيير إجراءاته، ولكنني لم أكن لأقوم بتنفيذ ما أردت إلا أن يوافق زوجي عليه، وأن يعاونني في الإجراءات التي تحققه.
ولم يكن عسيرا علي أن أقنعه وأن أزيل من نفسه شبهات أبداها حين بدأت حديثي معه في هذا الأمر، فقد ذكرته بأنه قبل شرطي يوم خطبني إلى نفسه أن يتبنى الولدين حتى لا تبقى بيني وبين مطلقي أية صلة، وأنني كنت معتزمة يومئذ أن أنسبهما إليه لولا أن رفع مطلقي الدعوى يطلب فيها ضم الولدين إليه، ولولا أن حكمت المحكمة له بما طلب، فاضطرني حكمها إلى مصالحته على بقائهما في رعايتي، لولا ذلك لما تردد زوجي في تنفيذ شرط قبله، ولم يبد الرجل اعتراضا إلا خشيته من قالة الناس في، وفساد ظنهم بي، وسوء حديثهم عني.
واتخذ المحامي الإجراءات وحكمت المحكمة بتبديل اسم الولدين وجعل نسبتهما إلى زوجي، ومحو اسم أبيهما وإزالته عنهما، وقد اغتبطت يوم صدر هذا الحكم بقدر ما اغتبطت يوم قبل مطلقي أن يتنازل عن ضم الولدين إليه ليبقيا في كنفي، فقد أيقنت أني لن أسمع من بعد اسم هذا الرجل، ولن أقرأه في الشهادات التي تبعث المدرسة بها إلي عن امتحان الولدين، ولن يبقى له فيما يتصل بي أي ذكر أو أثر.
وذكر لي زوجي بعد صدور الحكم بتسمية الولدين باسمه أنه يريد أن يوصي لهما بثلث ماله، وأنه لو وجد في القانون حيلة لأوصى لهما بكل ماله، قلت له: «لا تعجل فهما ولداك، والأب لا يوصي لأبنائه، أطال الله بقاءك وبقائي حتى نراهما شابا وفتاة ملء العين، وحتى تكفل لهما عنايتك مستقبلا يرضيك.» ولقد كنت أعبر صادقة عما يدور بقلبي، فقد أكرم زوجي ولدي منذ تزوجنا إكرام الأب لبنيه، ورعاهما رعايته، فملك بحنانه عليهما كل قلبي، وجعلني أشعر بأن المثل القائل: «رب أخ لك لم تلده أمك» كان يجب أن يضاف إليه: «رب أب لك لم تخالطه أمك.»
Bilinmeyen sayfa