Böyle Yaratıldı: Uzun Bir Hikaye
هكذا خلقت: قصة طويلة
Türler
ورأيت أن يكون ولدانا رسولي إليه عني وعن نفسيهما.
وإني لأحدثه وعيناي تسحان بالدمع إذا الصبيان يدخلان علينا ولا يكادان يريان ما أنا فيه حتى يرتميا علي يبكيان وهما يقولان: «نحن فداؤك يا أماه»، وبكى الرسول لبكائنا، فلما هدأت ثورتنا قال: «لك علي أن أكون عند مطلقك رسول هذين الصبيين قبل أن أكون رسول أمهما، فإذا أحوج الأمر فسأطلب إليه أن يدعوهما ليسألهما أيبقيان معك أو يعيشان معه، والله يوفقني لما يرضاه وترضينه يا سيدتي.»
وانصرف الرجل بعد أن شكرته في توسل تنطق به دموعي أبلغ مما ينطق به لساني، ولم يبطئ الرجل علي غير ثلاثة أيام ثم عاد إلي متهلل الوجه يقول: «بشراك يا سيدتي! لقد نجحت سفارتي عنك كل النجاح»، ثم أخرج الرجل من جيبه ورقة دفعها إلي وقال: «وهذا هو الحكم الذي صدر لمطلقك بضم ولديه إليه، وقد كتب عليه بخطه وتوقيعه بالتنازل عنه لمصلحتك، وبقبوله إبقاء الصبيين في رعايتك.»
ولقد كدت أطير فرحا حين تناولت منه صورة الحكم وقرأت تنازل مطلقي عليها، وكدت - لولا الحياء - أن أقبل الرسول، ثم إنني شكرته من أعماق قلبي وسألته: «وفيم كان انقطاعك عني كل هذه الأيام الثلاثة؟ أترى مطلقي لم يقتنع لأول ما حدثته؟» وتردد الرجل وطلب مني إعفاءه من الجواب عن سؤالي، فزادني ذلك شوقا لمعرفة ما كان وإلحاحا في السؤال عنه، فكان جوابه: «لم يكن انقطاعي هذه الأيام الثلاثة لأن الدكتور أبى أو تردد منذ اليوم الأول، فقد ذكرت له رسالتك بكلماتها فذرفت عيناه الدمع، وقال: «مسكينة هذه المرأة! لولا غرورها وغيرتها لما جرت على نفسها وعلي وعلى ولدينا كل هذا البلاء، هي تعلم أنني أحببتها ولا أزال أحبها، لكنها لم تطق إلى جانب محبتي إياها أي عاطفة من جانبي لغيرها، ولا عاطفة الصداقة، ولا عاطفة المروءة، وإنني ليعز علي أن تتألم وأن أكون أنا سبب ألمها، ولست أريد منها شيئا قط، لتبق مع زوجها الخائن ليمتعها الله بحياتها وحياته، وتحتفظ بالولدين فلن أحرمها منهما وأنا أعلم أنها من دونهما لن تطيق الحياة.» ومد مطلقك يده إلى مكتبه يريد أن يخرج الحكم منه ليكتب عليه بالتنازل، وإنه ليجر درج المكتب إذ دخلت علينا صديقتك ورأتني، وإذ كانت قد سمعت حديثي إليه دفاعا عنك قبل أن يرفع الدعوى، فقد أدركت أنني جئت إليه بسفارة منك ، لذلك صاحت به وبي: «ماذا تفعلان؟!» وقص عليها مطلقك ما رويت له من حديثك فقالت: «يا للفاجرة! أفنسيت ما صنعته معك كل هذه السنين؟ لقد غاضبتك برغم إكرامك إياها لغير شيء إلا لغيرتها مني غيرة حمقاء، وقد فرت منك إلى الإسكندرية، فلما أردتها على أن ترجع إليك أبت منك هذه الكرامة، مع ذلك بالغت أنت في إكرامها، وبعثت بها وبولديها إلى أوروبا، وأرادت المصادفة أن أكون وإياها على باخرة واحدة، ولو أنك رأيتها إذ ذاك وكيف أدت بها الغيرة إلى حديث السوء عني مع مسافرة فرنسية كانت معنا ونقلت إلي أقوالها لأيقنت أنها أصيبت في عقلها! فقد أنكرت أنها صديقتي، وذكرت لهذه الفرنسية أن أصدقائي يسمونني «الأرملة الطروب»، فلما عادت لم تعترف لك بالفضل، بل ألحت عليك في أن تطلقها، فلما طلقتها تزوجت هذا الوغد الذي خانك وخفر ذمة صداقتك، أهي هذه المرأة التي لا زال حبها يسيل دموعك، وينيلها كل برك وعطفك؟»»
واستطرد الرسول بعد ذلك يقول: «هنالك رد مطلقك درج مكتبه وأقفله، وقال: «بالله عليك يا أخي إلا ما تركتني أفكر في الأمر سحابة هذه الليلة»، فلما عدت إليه الغداة ألفيت صديقتك عنده، وقد أخذت لدخولي عليهما، وظهر عليها بعض الارتباك دليلا على أنها كانت تتكلم في موضوعنا، عند ذلك قلت موجها الكلام إليها، وكأنها معي في الحجرة وحدها: «حنانيك يا سيدتي ورفقا بهذين الصغيرين، إنك أم وتقدرين حاجة الصغير إلى حنان أمه، وإنني لا أخاطب الدكتور باسم مطلقته، وإنما أخاطبه باسم ولديه، باسم هذين العصفورين اللذين لا يزالان في حاجة إلى دفء هذا الصدر وعطفه، صدر الأم الحنون التي ترى فيهما روحها وحياتها، فكري في الأمر يا سيدتي من هذه الناحية، وانسي المرأة التي تكون قد أساءتك، انسي غريمتك التي أثرت غيرتها وأثارت غيرتك واذكري أبناءك أنت! أفتطيقين أن يحرموا من حنانك ثم تطمئنين عليهم؟ واسمحي لي بعبارة قد ترينها قاسية: أولو خيرت - لا قدر الله - بين أن تفقدي جمالك هذا الفاتن أو تفقدي أبناءك فأي النكبتين تختارين؟ أرجوك يا سيدتي أن تكوني مع الصغيرين لا عليهما؛ فهما لم يسيئا إليك إن كانت قد بدرت من أمهما إليك مساءة.» ثم إنني توجهت بالكلام إلى مطلقك وقلت له: «وأنت يا صديقي، أتسيغ رحمتك أم يسيغ عدلك أن يتحمل هذان الصغيران وزر صديقك وخيانته عهدك؟! إنك لن تستطيع أن تنقطع لهما، وعملك يشغل نهارك وبعض ليلك، وليس لك أم تحنو عليهما حنو أمهما، وقد أنصفك القضاء وحكم لك، وهذه مطلقتك لا تطمع إلا في مروءتك وكرمك ونبلك، أفتردني إلى الصغيرين وإليها خائبا؟ حاشاك أن تفعل!»
فنظرت إلي صديقتك ملء عينيها الفاتنتين وقالت: «ما أرى إلا أن حديث هذه المرأة سحرك كما سحر غيرك، وقد أدليت بحجتي وأدليت أنت بحجتك، فلننصرف بسلام، ولنترك الأمر لصاحبه.»
قال مطلقك: «فعد إلي يا أخي غدا نتناول الغداء معا، وعندها أقول لك كلمتي الحاسمة.» وانصرفت وانصرفت صديقتك، فلما دخلت عليه في موعد الطعام سلمني صورة الحكم وعليها تنازله كما سلمتك إياها، فلما قرأتها وشكرته قال: «لا حيلة لي في ذلك يا صديقي، فأنا لا أملك إغضابها وأنا لا أزال أحبها، وبذلك انتهى الكلام بيننا في هذا الأمر».»
فلما أتم الرسول حديثه قلت له: «إنني أكرر شكري لك يا سيدي من أعماق قلبي، ولست أدري كيف أستطيع أن أجزيك بما صنعت، فالله يتولى جزاءك»، وودعت الرجل إلى الباب حين انصرافه أكرر له عبارات الشكر، فوقف قبل أن يتخطى إلى الخارج وقال: «لا تشكريني يا سيدتي بل اشكري مطلقك، اشكري هذا الرجل ذا القلب الكبير الذي لا يعرف الحقد ولا القسوة، ولو اعتقدت أنك تستطيعين لأشرت بأن تذهبي إليه بنفسك وتبذلي له خالص الشكر على سمو نفسه وعظيم مروءته.»
وفاض بي السرور حين رأيت نفسي وحيدة في غرفتي فارتفع صوتي بالغناء، وإنني لكذلك إذ دخل علي زوجي فجأة وسألني ما لي؟ فأعطيته صورة الحكم فقرأ التنازل الذي عليها ثم قال: «لم يبق إذن للاستئناف موضع، ولم يعد في مقدوري أن أنتقم من هذا الرجل الذي أساء إلي بلسان محاميه شر إساءة.» قلت: «لا عليك يا عزيزي، لقد كسبنا الدعوى من غير أن نستأنفها، والخاسر اليوم هما المحاميان، فلم يبق لمحامينا أن يمزق أديم مطلقي، ولم يبق لمحاميه أن يمزق أديمنا، فكفانا ما كان من ذلك أمام المحكمة الابتدائية، ولنحتفل اليوم بأن الولدين ظلا في أحضاننا، فاليوم عندنا هو خير عيد مر بي في حياتي.»
وأسلمت نفسي بعد هذا اليوم إلى فيض من الغبطة أعتاض به عن قسوة الأيام التي مرت بي منذ بدأ الحديث في فصل ولدي عني، وكذلك خلا بالي وغمرني من الحياة نعمة أنستني كل ما مر بي من متاعبها، وما أيسر ما ينسى الإنسان البأساء والضراء إذا مسته نعمة لم يكن يتوقعها!
Bilinmeyen sayfa