Böyle Yaratıldı: Uzun Bir Hikaye
هكذا خلقت: قصة طويلة
Türler
ولعل من القراء من شهد مناظر في الحياة تشبه ما صورته هذه القصة، وإن اتصلت هذه المناظر بأكثر من شخص واحد في الطبقة المصرية المستنيرة، في هذا الزمن الذي نعيش فيه، وتلك ألوان من الحياة لم تكن تمر بخاطر جيلنا أو الجيل الذي سبقه.
ومن الخير تصوير الجوانب المختلفة من أطوارنا في هذا الوطن إذا أردنا أن نواجه التطور الحاضر لفائدة المجتمع، وحرصنا على ألا تسوء آثاره في بعض الطبقات زمنا طويلا، ولن يستطيع كاتب فرد أن ينهض بهذا العبء الجسيم، سواء اختار القصص أو الرسالة أو البحث العلمي أو الفلسفي، فحياة المجتمع تزداد تعقيدا كلما ازداد المجتمع ارتقاء، وقد أصبح التخصص ضرورة في الكتابة كما أنه ضرورة في الطب أو الهندسة أو غيرهما من المعارف والأعمال الإنسانية. وغاية ما أرجو أن تتضافر جهود الكتاب على اختلاف نزعاتهم ليوجه هذا التضافر مجتمعنا الوجهة الصحيحة في تطوره، وليكفل له سرعة السير في معارج الرقي إلى أسمى درجات الحضارة.
هدانا الله جميعا سواء السبيل.
محمد حسين هيكل
الفصل الأول
ما أكبر الفرق بين القاهرة اليوم، في هذه العشرة السادسة من القرن العشرين، وبينها أيام طفولتي وصباي في العشرة الأولى من القرن نفسه! وما أكبر الفرق بين الحياة في هذه المدينة العاصمة اليوم، والحياة فيها إذ ذاك!
أنا اليوم أسكن شارع الهرم على مقربة من نهايته عند فندق «مينا هاوس»، وتقلني السيارة إلى قلب المدينة في عشر دقائق أو نحوها، وذلك ما لم يكن يحلم به أحد في أخريات القرن الماضي وأوائل هذا القرن، لم يكن أحد يومئذ يسكن شارع الهرم، بل كان النيل يفصل بين «القاهرة» وما على شاطئه المقابل لها من مزارع ممتدة إلى مدى النظر، ولم تكن السيارات يومئذ وسيلة المواصلات، بل لم تكن موجودة بالنسبة لسواد الناس، ولست أذكر متى جاءت أول سيارة إلى مصر! لكن السيارات بقيت بعض مظاهر الترف إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى؛ أي إلى سنة 1920، فكان طبيعيا أن تظل رقعة المدينة ضيقة مع وسائل مواصلاتها، وأسرعها عربات الخيل - الحناطير - والحمير، أما الترام الذي بدأ يسير في السنوات الخمس الأخيرة من القرن الماضي، فلم تكن شبكته قد امتدت إلى ما وراء حدود المدينة كما صورتها.
ثم إني لأذكر يوما من سنة 1909 ذهبت فيه مع أبي إلى ضاحية «مصر الجديدة»، وكانت في بدء إنشائها، فلم يكن بها غير عدد قليل من المنازل، على مقربة من فندق «هليوبوليس بالاس»، ويومئذ سمعت أبي يبدي عجبه: كيف تغامر الشركة البلجيكية القائمة بهذا المشروع باختيار تلك البقعة من الصحراء لبناء ضاحية فيها، لكن المصريين كانوا يومئذ يؤمنون بعبقرية الأجانب، حتى ليكادون يضعونهم في مصاف الملائكة أو في مصاف الشياطين، ولذلك كانوا يحتاطون في الحكم على تصرفاتهم لاقتناعهم بأن هؤلاء الأجانب يدركون ما لا ندرك.
ولقد آمنت يومئذ بما أبداه أبي من عجب؛ لأنه أبي، ولأنني رأيت الترام الأبيض الذي يصل «القاهرة» ب «مصر الجديدة» ينساب بعد العباسية في صحراء خالية لا حياة فيها، فلا ترى العين على جانبيه إلا الرمال الممتدة لتلامس السماء عند الأفق، وكانت العباسية نهاية القاهرة من هذا الجانب، وكانت أشبه بضاحية يقطنها العسكريون الذين ألفوها في أثناء خدمتهم في الجيش؛ لأنها تجاور ثكناته، فلما انتهت خدمتهم فيه أقاموا مساكنهم هناك، على أرض رخيصة الثمن؛ لبعدها عن المدينة وعن مواصلاتها.
أما سرة المدينة فكان ميدان «العتبة الخضراء»، منه كانت خطوط الترام تبدأ سيرها، وفيه كانت تقوم المحكمة المختلطة ميدان النشاط القضائي بين الأجانب والمصريين في العاصمة وما حولها، وعلى مقربة منه كانت تقوم حديقة الأزبكية، التي كانت قبل مائة عام بركة، ثم انقلبت حديقة باسقة الشجر محاطة بأسوارها المنيعة. ومن ميدان العتبة الخضراء يمتد شارع عابدين المعروف إلى قصر الحكم عن شمالك، وتقوم متاجر فخمة عن يمينك ، وينحدر شارع الموسكي ذو الشهرة العالمية؛ لأنه كان شريان النشاط التجاري بالمدينة.
Bilinmeyen sayfa