Böyle Yaratıldı: Uzun Bir Hikaye
هكذا خلقت: قصة طويلة
Türler
وبدخوله الغرفة بدأت سنوات هانئة سعيدة ليتها دامت!
الفصل الثالث
قضينا بدء حياتنا الزوجية سنوات هانئة سعيدة ليتها دامت ، ولقد طالما بحثت عن السبب فيما طرأ عليها من بعد، أنا أعلم أن كثيرين يتهمونني بأني السبب، وأنه لولاي لبقينا فيما كنا فيه من نعمة وطمأنينة، ولكني لا أقر هذا القول ولا أرضاه، بل أحسبني كنت ضحية أكثر مما كنت مسئولة عما حدث، ولست أريد بتدوين هذه القصة أن أدافع عن نفسي، وحسبي أن أسوق الحوادث كما وقعت، وأدع من تقع عينه يوما على هذه القصة أن يحكم لي أو علي.
ولا أريد بتبرئة نفسي أن أتهم زوجي بأنه هو وحده سبب ما أصابنا، ولو أنني فعلت لكنت ظالمة، وإن كنت لا أستطيع أن أبرئه براءة كاملة، مع الاعتراف من جانبي بأنه لم يقصد إلى غرض سيئ، بل لعل طيبته وبالغ عطفه يحملانه من التبعة أكثر مما كان يحمل لو أنه كان أكثر قصدا فيهما.
لقد بدأنا حياتنا الزوجية حبيبين سعيدين، كان كل ما حولنا يبسم لنا، ويشدو لنا بأنغام السعادة، كنا نخرج تحت جنح الظلام في سيارته، وكان هو يقودها، مرة إلى سفح الهرم، وأخرى إلى القناطر الخيرية، وثالثة إلى المعادي، ورابعة إلى عزبة والدي، فلم أكن أرى في الطريق - إلى أي من هذه الأماكن الخلوية - إلا السعادة يحملها الهواء معه إلى قلبي وروحي، وكنت لا أشعر حين عودتنا من هذه الجولات بشيء غير عبير الحب يحمله النسيم على أجنحته، ويدخل به وإيانا إلى عشنا الصغير الجميل، وكان زوجي الشاب الرقيق العزيز يتمنى لو استطعنا أن نسافر إلى أوروبا نمضي في ربوع سويسرا أو النمسا شهر العسل، لولا أن كانت الحرب العالمية الأولى تحول بيننا وبين تحقيق هذه الأمنية الساحرة البديعة، وقد استعضنا عن هذا السفر بالمقام زمنا في ذهبية لأحد أصدقاء أبي، فكنت أحس إذ أنظر إلى ماء النيل من نوافذها وكأنه يحمل في تياره أريج الصبا ونسيمه العليل.
وكان زوجي يغيب عني ساعات كل يوم في عمله، فكنت أشعر بأني من انتظاره على لظى، لا يبرد سعيرها إلا أريج يحمل الحب شذاه آتيا من ناحية عيادته، فإذا عاد إلى عشنا وتعانقنا شعرت كأنني ذبت في هذا العناق خلاله وأصبحت حبة قلبه، وكان هو من جانبه يبادلني حبا بحب، وهياما بهيام، كان كل تفكيره متى فرغ من عمله كيف يزيدني سعادة وهناءة، فإذا جلس إلى جانبي، وألقيت برأسي على صدره شعرت من نبضات قلبه بطمأنينة إلى الحياة تنقلني من هذا العالم الذي يضطرب فيه الناس، جريا وراء أهوائهم ومنافعهم إلى عالم من الأحلام مفروشة أرضه بالورد، معطر هواؤه بشذا الحب وأنغام الهوى والغرام، أين أنا الآن مما كنت فيه منذ توفيت أمي؟!
بل أين أنا الآن مما كنت منذ ولدت؟! إنني سعيدة سعيدة سعيدة، سعيدة بما لا تعبر عنه الألفاظ، بل لا تعبر عنه الموسيقى، وكأني أتقلب من عالم الناس في نعيم جنة الخلد، فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وما يحملني على أجنحة من الخيال إلى عالم السعداء والراضين، عالم المحبين الذي يستمتعون بنعمة الحب إلى غاية حدود المتاع.
انقضى العام الأول من حياتنا الزوجية وأنا في هذا البحر اللجي من فيض السعادة، وكنت في أثناء ذلك لا أخالط غير زوجي من الرجال إلا أبي والأقربين من محارمي، فلم يكن يباح للمرأة من طبقتنا يومئذ أن تتحدث إلى غير هؤلاء من الرجال، أما النساء فكانت تزورني منهن بعض زميلاتي وصديقات صباي وحبيبات أمي، وكانت زوج أبي تزورني أحيانا بطبيعة الحال، وكنت أنقل كل حديث يجري بيني وبينهن، أو بيني وبين أبي ومحارمي، إلى زوجي العزيز، وكنت أشعر بالغبطة حين أراه مسرورا لسماع هذا القصص الساذج؛ لأني كنت مصدره، ولم يكن يخفي ذلك علي، بل كثيرا ما كان يقول لي إذا أنا فرغت من رواية أقاصيصي: تحدثي، تحدثي، إن نغمات صوتك تشجيني، ونظراتك إلي في أثناء الحديث تنفذ إلى قلبي، وتبعث إلى وجودي كله النشوة والطرب.
وكنت أعلم أن في نظراتي جاذبية طالما سحرت بها وأنا أنظر إلى نفسي في المرآة، جاذبية لا ترجع إلى جمال عيني، بل إلى قوة التعبير التي تنبعث من هذه النظرات، ولم أكن أحسب أن هذه الجاذبية قديرة على أن تسحر غيري كما كانت تسحرني، وكنت أشعر كذلك أن لصوتي حين أتحدث سلطانا لا يقل عن سلطان نظراتي، وكنت قد ورثت نغمة صوتي عن المرحومة أمي، كما ورثت لباقة حديثي وقوة تعبيره عن عواطفي ومقاصدي عن أبي، ولا شك في أن قراءاتي الكثيرة في الكتب العربية والأجنبية قد أعانت هذه الوراثة، وبلغت بي إلى هذه المقدرة التي كان يعجب بها زوجي، على أنني لم أقدر سلطان هذه الملكات على غيري لأول ما حدثني زوجي عنها، بل حسبت أن حبنا المتبادل هو الذي يوحي إليه إطراءه، فلما رأيته يكرر الإطراء في مناسبات شتى أخذت أعتد بهذه الملكات وأعنى بتنمية غراسها، فعدت إلى مرآتي أدرس فيها سلطان نظراتي، وعدت إلى كتبي أقرؤها حين غياب زوجي في عمله وفراغي من تدبير المنزل، وكنت أقرأ بصوت مسموع ما يعجبني وما يزيده حسن الإلقاء أثرا في النفس، فإذا جاءت صديقاتي والأقربون من ذوي رحمي لزيارتي، أخذت أتحسس أثر مواهبي فيهم، وسلطان نظراتي وعباراتي عليهم.
ومن يومئذ آمنت حقا بأن من البيان لسحرا، فقد كان الذين يزورونني يبالغون في إعجابهم، بحسن إنصاتهم لحديثي واستزادتهم منه؛ مما جعلني أنا كذلك ألذ بالإصغاء لصوتي والاستماع لحديثي حين متاع الآخرين به، وكنت أحرص على ملاحظة أثره في نفوسهم، وبخاصة حين كنت أصور لهم ما تركه حادث في نفسي من مسرة أو ألم، من رضا أو غضب، من غبطة بالجمال أو تقزز من القبح، فإذا شاركوني في إحساسي، ولمحت على وجوههم أمارات هذه المشاركة، اطمأننت وازددت رضا عن نفسي وإيمانا بسلطاني.
Bilinmeyen sayfa