أما سعيد فإنه عاد إلى فسطاط محمد وتناول الكرسي وألقاه في النار وعاد إلى حسن وبلال في خيمته فأخبرهما بخروج عرفجة من الخيام، وهنا عاد حسن إلى التفكير في دخول مكة فسأل سعيدا في ذلك فأجاب بقوله: «سألت مولاي الإمام في هذا الشأن فأمر بذهابي معكما؛ لأني تعودت الذهاب على مكة خلال الحصار وأكثر الطلائع يعرفونني.» قال ذلك ودخل على محمد يستأذنه في الذهاب معهما، فأذن له.
وعاد سعيد إليهما بالإذن فخرجا إلى دار الأضياف ليتأهبا للسفر، وبعد قليل جاءهما سعيد على جواد، فركبوا وساروا يلتمسون مكة من طريق يعرفه، والشمس قد تكبدت السماء. •••
وفيما هم يسيرون وحسن يفكر في مهمته وكيف يدخل على عبد الله بن الزبير وليس معه كتاب خالد، رأوا غبارا يتصاعد في الأفق من جهة طريق المدينة، ثم انقشع الغبار عن أعلام تخفق وخيول تركض وجمال تجعجع، فلما اقترب الركب تفرس حسن في الأعلام والناس، فأدرك أنهم من أنصار بني أمية وأنهم قادمون من المدينة بنجدة الحجاج.
ولكنه استغرب وصولهم في ذلك اليوم مع أنه أقلع قبلهم، والسيارة كلما زاد عددهم ثقلت خطواتهم، فظن نفسه مخطئا في حكمه عليهم فأعاد النظر إلى الرايات والملابس فتحقق أنها لأهل المدينة والقبائل القاطنة بجوارها، وعلم من عظم السرعة التي مشت بها تلك الحملة ما يدل على اضطرار الحجاج إليها. فترجل حسن ورفيقاه والتجأوا إلى مكان يرون الركب منه ولا يراهم أحد، وجعل يتفرس في وجوه الناس.
ومر الفرسان وحملة الرايات أولا، ثم تبعهم المشاة، فأحمال الزاد والمئونة.
وأخيرا رأى هودجا يقوده عبد ويسوقه عبد وإلى كل من جانبيه فارس. ولم ير في تلك الحملة هودجا غيره وكان من عادة العرب في الجاهلية وأوائل الإسلام أن يحملوا معهم النساء والأولاد حين يخرجون إلى القتال. فاستغرب حسن أمر هذا الهودج وتبين من الاحتفاء بأمره أنه لبعض الأمراء. وما درى أنه يقل حبيبته التي سلبت لبه وأنهم يحملونها إلى سواه. ولو درى ذلك لطارت نفسه شعاعا إليها. ولو صح ما قاله الشعراء من تواصل القلوب عن بعد لاضطرب حسن وخفق قلبه ودله على ساكنة الهودج.
وظلوا وقوفا يراقبون مسير تلك الحملة حتى رأوها اتجهت إلى جبل أبي قبيس، فتحققوا أنها نجدة المدينة إلى الحجاج، لعلمهم بأن الحجاج مخيم هناك.
الفصل الثاني عشر
رمي الكعبة بالمنجنيق
سار حسن وصاحباه حتى أقبلوا على مكة فرأوا الطلائع من الفرسان والهجانة تجول حولها، وجاء إليهم بعضهم، فتقدم سعيد لاستقبالهم وأخبرهم بأنهم ذاهبون في شأن يخص ابن الحنفية، فأذنوا لهم في الدخول.
Bilinmeyen sayfa