وفيما هو في ذلك سمع جعجعة جمل قادم نحو الخيام فالتفت فإذا هناك جملان على أحدهما ما يشبه الهودج ويقوده رجل ماش لم يستطع تبين وجهه لاشتداد الظلام، فتبادر إلى ذهنه أن رجلا وامرأته وخادمه قادمون للمبيت هناك إلى الصباح. ولكنه استغرب مسيرهم في أواخر الليل بجوار مكة وهي في حصار شديد. فعاد إلى خيمته وفي نفسه أن يستطلع حقيقة القادمين، فجعل ينظر من شقوق في الخيمة تطل على الطريق، فرأى أن الجملين قد أنيخا ونزل راكب أحدهما وهو رجل قصير القامة، ملثم بعمامته وقد التف بعباءته. ثم رأى الرجل الذي كان ماشيا يقود الجمل فإذا هو عبد كبير الجثة سريع الحركة، تسلم جمل الراكب الأول وعقله بجانب الجمل الآخر وهو يقول: «أترى يا مولاي أن أبقى هنا مع الجملين، أم أسير في خدمتك؟»
فرد عليه الرجل بصوت منخفض قائلا: «امكث أنت هنا واحتفظ بما على الجمل فإنه أعز شيء عندي كما لا يخفى عليك.»
قال: «هل أسير في خدمتك إلى خيمة الأضياف؟»
قال: «لست ذاهبا إلى هناك، فامكث أنت هنا ريثما أعود إليك.» قال ذلك ومشى.
وكان حسن يتوقع أن يرى زوجة الرجل الأول تنزل من الهودج، ولكنه رآه ما زال مجللا بغطائه، ثم رأى العبد عاد إلى الجمل الذي يحمل الهودج وجلس بجانبه مستندا إلى بطن الجمل، وما لبث أن نام نوما عميقا وعلا شخيره. فاستغرب حسن ما رآه، وكان قد تعب من الوقوف، فعاد إلى فراشه وفكره مضطرب. وبعد أن جلس قليلا عاد إلى باب الخيمة للبحث عن بلال وقد ازداد قلقه لغيابه، فأطل برأسه من الباب وتلفت يمنة ويسرة فلم يجد أحدا ، وحال الظلام بينه وبين الأشباح البعيدة فعاد إلى فراشه وقد أحدقت الهواجس به، فحدثته نفسه بأن يخرج إلى ذلك العبد ويسأله عن سر الهودج، ولكنه أحجم وقال في نفسه: «لو كان بلال هنا لكلفته بهذه المهمة.»
وفيما هو في ذلك سمع وقع أقدام خارج الخيمة تقترب من بابها، فأدرك أن بلالا قادم، ولم يشأ أن يناديه لئلا ينتبه العبد الآخر النائم بجانب الجمل. فوقف ومشى إلى الباب، فرأى بلالا يهم بالاتكاء، ورآه بلال فوقف وقال: «ما الذي أيقظك في آخر الليل يا مولاي؟»
قال وهو يشير إليه أن يخفض صوته: «لقد استيقظت من زمن فقلقت لغيابك، ثم رأيت بعض الناس حطوا رحالهم وراء خيمتنا، وظهر لي من أمرهم ما أقلقني.»
فقال بلال: «وما الذي تبغيه منى فأفعله، إني رهن إشارتك.»
قال: «هل مررت من وراء هذه الخيمة؟»
قال: «كلا وإنما جئت من هنا.»
Bilinmeyen sayfa