فقال: «أذهب إليه بعد الفراغ من انتقاء النبال.» ثم انتقى ما احتاج إليه منها ودفع الثمن، وسأل الرجل عن حانوت الجعاب، ونهض وقد نسي القباء عند النبال، وسار والنبال يسير أمامه حتى أوصله إلى حانوت واسع فيه جلود وأخشاب وجعاب معلقة. فرجع النبال وتقدم حسن حتى انتهى إلى باب الحانوت. فرأى الجعاب يخاطب شابا يظهر من لباسه أنه من أهل الوجاهة وهو يساومه على جعبة أراد ابتياعها، فوقف حسن ينتظر الانتهاء من تلك الصفقة، وقد استأنس برؤية ذلك الشاب وتذكر أنه يعرفه، فجعل يتأمله ويتفهم كلامه، وهو يستحث ذاكرته لعله يذكره والشاب مشتغل بالمساومة، ثم التفت الشاب إلى حسن، فلما وقع بصره عليه بغت وتفرس في سحنته ولم يطل النظر إليه حتى ابتسم وصاح: «حسن؟» قال: «نعم، وأنت ... سليمان؟»
وتعانقا، ثم جلسا على مقعد من حجر بجانب الحانوت وقد نسيا الجعاب وصاحبها، فقال سليمان: «من أين أنت قادم يا أخي، ومتى قدمت؟»
قال: «إني قادم من دمشق وقد وصلت إلى المدينة مساء أمس.»
قال: «وهل تنوي الإقامة هنا؟»
قال: «كلا، إني عازم على السفر الليلة.»
قال: «لا. لا. إني مشتاق إلى رؤيتك، وقد مضى علي بضع سنوات وأنا أفكر فيك وأتذكر أياما قضيناها في الكوفة معا، وقد كانت أياما سعيدة رغم ما شهدناه فيها من القتال.»
قال حسن: «لا ريب أنها كانت سعيدة لكم لأنكم فزتم بالأمر الذي قمتم له وقتلتم قتلة الإمام الحسين شر قتلة. أظنك لم تنس عبيد الله بن زياد وهو مضرج بدمه في ساحة الحرب.»
قال: «وهل أقدر على نسيان ذلك! إني أتذكره كلما شممت رائحة المسك؛ لأني حين شهدت جثة عبيد الله في الوقعة شممت رائحة المسك قوية؛ إذ كان كثير التضمخ بالمسك. ولكنني لم أفرح بمقتل ابن زياد فرحي بمقتل ذلك الأبرص الذي قطع رأس الحسين بيده.»
قال حسن: «أظنك تعني شمر بن ذي الجوشن - قبحه الله؟»
قال: «إياه أعني ... فقد رأيت هذا الخبيث في معركة أخرى مقتولا وعليه بردة، وقد عرفته من بياض برصه.»
Bilinmeyen sayfa