فاضطرب عرفجة لعودة الحجاج إلى التحقيق في تهمته. وخاف عاقبة تملق الحجاج له بذكر الصداقة ولكنه تظاهر بالاستخفاف وجلس يصغي لما سيقوله حسن، فقال هذا: «أما كونه خائنا لدولة بني أمية فأمر لا شك فيه. وقد رأيته بعيني واقفا بين يدي محمد بن الحنفية في الشعب، ومعه الكرسي الذي كان المختار بن أبي عبيد يسميه كرسي علي ويستغله في الدعوة إلى بيعة ابن الحنفية. وقد سمعته يطلب من محمد إمداده بالمال للخروج على بني أمية في العراق، والدعوة إلى بيعته؛ لأنه في زعمه أولى من بني أمية بهذا الأمر.»
وكان الحجاج مصغيا لما يسمعه وهو يتفرس في حسن ويراقب حركاته وسكناته فرجح أنه صادق في دعواه. فقال له: «ثم ماذا؟»
قال: «أما ابن الحنفية فاستخف بطلب عرفجة وردعه عن القيام بهذا الأمر، ثم أمر بإحراق الكرسي، فأحرق بين يديه، وأخرج عرفجة من عنده مهانا.»
ورأى عرفجة أن الحجاج أوشك أن يصدق حسن ضده، فلم ير سبيلا إلى دفع تلك التهمة إلا بالخداع والمغالطة. فوقف ووجه خطابه إلى الحجاج وقال: «إذا كان لكلام هذا الغلام أقل تأثير في نفس مولاي فليأمر بقتلي حالا، ولكن هذا الغلام كاذب في كل ما ادعاه، وقد اختلق هذه التهمة ليخفف بها ذنبه الذي لم يرتكبه أحد قبله.»
فقال حسن: «أما ذنبي فلا أنكره، وسأبسطه لمولاي، وله أن يحكم بعد ذلك بما يشاء، وأما أنت ...»
فقاطعه عرفجة قاصدا أن يشغل الحجاج عن ذنبه هو، وقال له: «إن ذنبك لا يحتمل الإنكار لأنه ظاهر العيان. وأما اتهامك إياي بالمروق من دعوة بني مروان فاختلاق محض لم نسمع بمثله. وأغرب ما فيه أنك لم تستطع إقامة دليل عليه، ويستحيل عليك ذلك.» قال ذلك وجلس وكأنه فاز على خصمه بالحجة والبرهان.
ولكن الحجاج لم يعبأ بذلك فالتفت إلى حسن وقال: «لا تصح دعوى بلا بينة، فما هي بينتك على ما تقول؟»
قال: «لقد كان الحديث بينه وبين ابن الحنفية سرا ولم يكن معهما ثالث.»
فصاح عرفجة: «أسمعت يا مولاي؟ أرأيت تناقض أقوال المنافق الكذاب؟ إذا كان ذلك الأمر حدث سرا بين اثنين كما قال الآن فما الذي أطلعه على هذا السر؟ إن جهله أبى إلا أن يوقعه في شر أعماله لأنه لم يحسن سبك أكذوبته.»
وشك الحجاج في صدق حسن فقال له: «لقد صدق عرفجة، فإنك زعمت أنك عرفت ما دار بينهما وسردته على أنك رأيت وسمعت، فكيف تقول بعد هذا إن الحديث كان سرا بينهما ولم يكن معهما ثالث؟!»
Bilinmeyen sayfa