ولو كنت مكانه لهبطت من الأوتوبيس في الحال، ولظللت أهيم على وجهي في الشوارع حتى أنسى مرارة الفشل، ولكنه، قبل أن يختفي صدى الجملة الثانية، كان قد اقترب بوجهه من وجهها للمرة الثالثة، اقترب كثيرا، وهمس في عصبية: «حضرتك رايحة هناك؟»
وظل رأسها ثابتا في مكانه، ووجهها ثابتا على وضعه، ونظراتها مركزة على رأس الأخ الأصغر، شفتاها فقط اشتد ضغطها عليهما حتى برزتا إلى أمام في شبه احتقار، وصحيح أني كنت أتوقع من فتاة غضبت في أول محاولة أن تصنع شيئا أكثر من هذا في ثالث محاولة، ولكن من الطريقة التي ضغطت بها شفتيها أحسست أن صبرها قد فرغ، وأن الويل له لو حاول مرة أخرى.
وحاول، اقترب منها كثيرا، وكادت السلسلة تنقطع في أصابعه وهو يهمس بسرعة وفروغ صبر: «لازم رايحة البيت؟»
وكتمت أنفاسي في انتظار النتيجة.
وبدا أنه فشل في هذه المرة الأخيرة أيضا، لولا ... لولا ذيل الحصان اللعين، فقد لمحته يهتز، خيل لي أول الأمر أنه يهتز اهتزازا طبيعيا، ولكن أبدا، كان اهتزازه عن عمد، وعن سبق إصرار، وكانت تقول به: «أيوه.»
وفي الحال، وقبل أن تغير رأيها، قال بسرعة وانتصار: «في الجيزة! مش كده؟!»
وقالت هذه المرة بلسانها، وقد انتقل الخجل من وجهها إلى ابتساماتها: «أيوه.»
وكدت أوجه لكمة إلى رأس مندوب العائلة الذي كان واقفا يتفرج على الشارع من خلال النافذة في بلاهة منقطعة النظير.
ولكني لم ألبث أنا الآخر أن رحت أتطلع مثله، وقد تركت جاري العزيز مستغرقا في المشهد الذي يدور أمامه دون أن ينبس بحرف، ووجهه لا يزال يحفل بالنشوة والمتعة!
وحين عدت من رحلة يأسي، كانت الأمور قد تطورت بسرعة، وكان الشاب يحادثها بصوت الواثق من نفسه، بصوت الرجل الظافر حين يهتك حجب الخجل عن أنثاه في إصرار.
Bilinmeyen sayfa